ويسقيها. (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أي : إن موسى ، أولى من استؤجر ، فإنه جمع القوة والأمانة ، وخير أجير استؤجر ، من جمعها ، القوة والقدرة ، على ما استؤجر عليه ، والأمانة فيه بعدم الخيانة. وهذان الوصفان ، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا ، بإجارة أو غيرها. فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما ، أو فقد إحداهما ، وأما باجتماعهما ، فإن العمل يتم ويكمل. وإنما قالت ذلك ، لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ، ونشاطه ، ما عرفت به قوته ، وشاهدت من أمانته وديانته ، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما ، وإنما قصده بذلك وجه الله تعالى.
[٢٧] (قالَ) صاحب مدين لموسى (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أي : تصير أجيرا عندي (ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي : ثماني سنين. (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) تبرع منك ، لا شيء واجب عليك. (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) فأحتّم عشر السنين ، وما أريد أن أستأجرك ، لأكلفك أعمالا شاقة ، وإنما استأجرتك ، لعمل سهل يسير ، لا مشقة فيه (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فرغبه في سهولة العمل ، وفي حسن المعاملة. وهذا يدل على أن الرجل الصالح ، ينبغي أن يحسن خلقه ، مهما أمكنه ، وأن الذي يطلب منه ، أبلغ من غيره.
[٢٨] (قالَ) موسى عليهالسلام ـ مجيبا له فيما طلبه منه ـ : (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أي : هذا الشرط ، الذي أنت ذكرت ، رضيت به ، وقد تم فيما بيني وبينك. (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) سواء قضيت الثماني الواجبة ، أم تبرعت بالزائد عليها (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) حافظ يراقبنا ، ويعلم ما تعاقدنا عليه. وهذا الرجل ، أبو المرأتين ، صاحب مدين ، ليس بشعيب النبي المعروف ، كما اشتهر عن كثير من الناس ، فإن هذا قول لم يدل عليه دليل. وغاية ما يكون ، أن شعيبا عليهالسلام ، قد كانت بلده مدين ، هذه القضية ، جرت في مدين ، فأين الملازمة بين الأمرين؟. وأيضا ، فإنه غير معلوم ، أن موسى أدرك زمان شعيب ، فكيف بشخصه؟ ولو كان ذلك الرجل شعيبا ، لذكره الله تعالى ، ولسمته المرأتان ، أيضا فإن شعيبا ، عليه الصلاة والسلام ، قد أهلك الله قومه بتكذيبهم إياه. ولم يبق إلا من آمن به. وقد أعاذ الله المؤمنين به ، أن يرضوا لبنتي نبيهم ، بمنعهما عن الماء ، وصد ماشيتهما ، حتى يأتيهما رجل غريب ، فيحسن إليهما ، ويسقي ماشيتهما. وما كان شعيب ، ليرضى أن يرعى موسى عنده ، ويكون خادما له ، وهو أفضل منه ، وأعلى درجة ، إلا أن يقال : هذا قبل نبوة موسى ، فلا منافاة. وعلى كل حال ، لا يعتمد على أنه شعيب النبي ، بغير نقل صحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، والله أعلم.
[٢٩] (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) يحتمل أنه قضى الأجل الواجب ، أو الزائد عليه ، كما هو الظن بموسى ، ووفائه ، اشتاق إلى الوصول إلى أهله ، ووالدته ، وعشيرته ، ووطنه ، وظن من طول المدة ، أنهم قد تناسوا ما صدر منه. (وَسارَ بِأَهْلِهِ) قاصدا مصر (آنَسَ) أي : أبصر (مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وكان قد أصابهم البرد ، وتاهوا الطريق.