بالعلم والعقل ، وإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وجعل منهم الأولياء والأصفياء ، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) على الركاب ، من الإبل ، والبغال ، والحمير ، والمراكب البرية. (وَالْبَحْرِ) في السفن والمراكب (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من المآكل والمشارب ، والملابس ، والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم ، إلا وقد أكرمهم الله به ، ويسره لهم غاية التيسير. (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) بما خصهم به من المناقب ، وفضلهم به من الفضائل ، التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات. أفلا يقومون بشكر من أولى النعم ، ودفع النقم ، ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم ، بل ربما استعانوا بها على معاصيه.
[٧١] يخبر تعالى عن حال الخلق يوم القيامة ، وأنه يدعو كل أناس ، ومعهم إمامهم وهاديهم ، إلى الرشد ، وهم : الرسل ونوابهم ، فتعرض كل أمة ، ويحضرها رسولهم الذي دعاهم. وتعرض أعمالهم على الكتاب ، الذي يدعو إليه الرسول ، هل هي موافقة له أم لا؟ فينقسمون بهذا قسمين. (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) لكونه اتبع إمامه ، الهادي إلى صراط مستقيم ، واهتدى بكتابه ، فكثرت حسناته ، وقلت سيئاته (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) قراءة سرور وبهجة ، على ما يرون فيها ، مما يفرحهم ويسرهم. (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) مما عملوه من الحسنات.
[٧٢] (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) الدنيا (أَعْمى) عن الحق ، فلم يقبله ، ولم ينقد له بل اتبع الضلال. (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) عن سلوك طريق الجنة كما لم يسلكه في الدنيا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) فإن الجزاء من جنس العمل ، كما تدين تدان. وفي هذه الآية دليل على أن كل أمة تدعى إلى دينها وكتابها ، هل عملت به أم لا؟ وأنهم لا يؤاخذون بشرع نبي ، لم يؤمروا باتباعه ، وأن الله لا يعذب أحدا ، إلا بعد قيام الحجة عليه ، ومخالفته لها. وأن أهل الخير ، يعطون كتبهم بأيمانهم ويحصل لهم من الفرح والسرور ، شيء عظيم ، وأن أهل الشر بعكس ذلك ، لأنهم لا يقدرون على قراءة كتبهم ، من شدة غمهم ، وحزنهم وثبورهم.
[٧٣] يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق ، فقال : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي : قد كادوا لك أمرا لم يدركوه ، وتحيلوا لك ، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك ، فتجيء بما يوافق أهواءهم ، وتدع ما أنزل الله إليك. (وَإِذاً) لو فعلت ما يهوون (لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) أي : حبيبا صفيا ، أعز عليهم من أحبابهم ، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب ، المحببة للقريب والبعيد ، والصديق والعدو. ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك ، وينابذوك العداوة ، إلا للحق الذي جئت به ، لا لذاتك ، كما قال الله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣).
[٧٤] (وَ) مع هذا (لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) على الحق ، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم. (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) من كثرة المعالجة ، ومحبتك لهدايتهم.
[٧٥] (إِذاً) لو ركنت إليهم بما يهوون (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ). أي : لأصبناك بعذاب مضاعف ، في الدنيا والآخرة ، وذلك لكمال نعمة الله عليك ، وكمال معرفتك. (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) ينقذك مما يحل بك من العذاب ، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر ، ومن الشر ، فثبتك وهداك الصراط المستقيم ، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه ، فله عليك أتم نعمة ، وأبلغ منحة.
[٧٦] (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) أي : من بغضهم لمقامك بين أظهرهم ، وقد كادوا أن يخرجوك من الأرض ، ويجلوك عنها. ولو فعلوا ذلك ، لم يلبثوا بعدك إلا قليلا ، حتى تحل بهم العقوبة ، كما هي سنة الله التي لا تحول ولا تبدل في جميع الأمم ، كل أمة كذبت رسولها ، وأخرجته ، عاجلها الله بالعقوبة. ولما مكر به الّذين كفروا ، وأخرجوه ، لم يلبثوا إلا قليلا ، حتى أوقع الله بهم ب «بدر» وقتل صناديدهم ، وفض بيضتهم فله