باطلا مضمحلا ، كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة ، ويعدهم عليها الأجر ، لأنهم يظنون أنهم على الحق. وقال تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً).
[٦٥] ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد ، وذكر ما يعتصم به من فتنته ، وهو عبودية الله ، والقيام بالإيمان والتوكل قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي : تسلط وإغواء ، بل الله يدفع عنهم ـ بقيامهم بعبوديته ـ كل شر ، ويحفظهم من الشيطان الرجيم ، ويقوم بكفايتهم. (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) لمن توكل عليه ، وأدى ما أمر به.
[٦٦] يذكر تعالى : نعمته على العباد ، بما سخر لهم من الفلك ، والسفن ، والمراكب ، وألهمهم كيفية صنعتها ، وسخر لها البحر الملتطم ، يحملها على ظهره ، لينتفع العباد بها في الركوب والحمل للأمتعة ، والتجارة. وهذا من رحمته بعباده ، فإنه لم يزل بهم رحيما رؤوفا ، يؤتيهم من كل ما تعلقت به إرادتهم ومنافعهم.
[٦٧] ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود ، دون ما سواه ، أنهم إذا مسهم الضر في البحر ، فخافوا من الهلاك ، لتراكم الأمواج ، ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله ، في حال الرخاء من الأحياء ، والأموات ، فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات لعلمهم أنهم ضعفاء ، عاجزون عن كشف الضر ، وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسموات الذي يستغيث به في شدائدها ، جميع المخلوقات ، وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال. فلما كشف الله عنهم الضر ، ونجاهم إلى البر ، ونسوا ما كانوا يدعون إليه من قبل ، أشركوا به ، من لا ينفع ، ولا يضر ، ولا يعطي ، ولا يمنع ، وأعرضوا عن الإخلاص لربهم ومليكهم. وهذا من جهل الإنسان وكفره ، فإن الإنسان كفور للنعم. إلا من هدى الله ، فمن عليه بالعقل السليم ، واهتدى إلى الصراط المستقيم. فإنه يعلم ، أن الذي يكشف الشدائد ، وينجي من الأهوال ، هو الذي يستحق أن يفرد ، وتخلص له سائر الأعمال في الشدة ، والرخاء ، واليسر والعسر. وأما من خذل ، ووكل إلى عقله الضعيف ، فإنه لم يلحظ وقت الشدة إلا مصلحته الحاضرة ، وإنجاءه في تلك الحال. فلما حصلت له النجاة ، وزالت عنه المشقة ، ظن بجهله ، أنه قد أعجز الله ولم يخطر بقلبه ، شيء من العواقب الدنيوية ، فضلا عن أمور الآخرة.
[٦٨] ولهذا ذكرهم الله بقوله : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي : فهو على كل شيء قدير ، إن شاء أنزل عليكم عذابا ، من أسفل منكم بالخسف ، أو من فوقكم بالحاصب ، وهو : العذاب الذي يحصبهم ، فيصبحوا هالكين ، فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر.
[٦٩] وإن ظننتم ذلك ، فلستم آمنين من (أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) أي : ريحا شديدة جدا تقصف ما أتت عليه. (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) أي : تبعة ومطالبة ، فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة.
[٧٠] وهذا من كرمه عليهم وإحسانه ، الذي لا يقادر قدره ، حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام ، فكرمهم