الحمد. وفي هذه الآيات ، دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه ، وأنه لا يزال متملقا لربه ، أن يثبته على الإيمان ، ساعيا في كل سبب موصل إلى ذلك ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم وهو أكمل الخلق ، قال الله له : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٤) فكيف بغيره؟ وفيها تذكير الله لرسوله منّته عليه ، وعصمته من الشر. فدل ذلك ، على أن الله يحب من عباده ، أن يتفطنوا لإنعامه عليهم ـ عند وجود أسباب الشر ـ بالعصمة منه ، والثبات على الإيمان. وفيها : أنه ـ بحسب علو مرتبة العبد ، وتواتر النعم عليه من الله ، يعظم إثمه ويتضاعف جرمه ، إذا فعل ما يلام عليه ، لأن الله ذكّر رسوله لو فعل ـ وحاشاه من ذلك ـ بقوله : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (٧٥). وفيها أن الله إذا أراد إهلاك أمة ، تضاعف جرمها ، وعظم وكبر ، فيحق عليها القول من الله ، فيوقع بها العقاب ، كما هي سنته في الأمم ، إذا أخرجوا رسولهم.
[٧٨] يأمر تعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بإقامة الصلاة تامة ، ظاهرا ، وباطنا في أوقاتها (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي : ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال ، فيدخل في ذلك ، صلاة الظهر ، وصلاة العصر. (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي : ظلمته ، فيدخل في ذلك ، صلاة المغرب ، وصلاة العشاء. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي : صلاة الفجر ، وسميت قرآنا ، لمشروعية إطالة القرآن فيها ، أطول من غيرها ، ولفضل القراءة فيها ، حيث شهدها الله ، وملائكة الليل والنهار. ففي هذه الآية ، ذكر الأوقات الخمسة ، للصلوات المكتوبات ، وأن الصلوات الموقعة فيها فرائض ، لتخصيصها بالأمر. ومنها أن الوقت ، شرط لصحة الصلاة ، وأنه سبب لوجوبها لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات. وأن الظهر والعصر ، يجمعان ، والمغرب والعشاء كذلك ، للعذر ، لأن الله جمع وقتهما جميعا. وفيه : فضيلة صلاة الفجر ، وفضيلة إطالة القراءة فيها ، وأن القراءة فيها ركن ، لأن العبادة إذا سميت ببعض أجزائها ، دل على فرضية ذلك.
[٧٩] وقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي : صل به في سائر أوقاته. (نافِلَةً لَكَ) أي : لتكون صلاة الليل ، زيادة لك في علو القدر ، ورفع الدرجات بخلاف غيرك ، فإنها تكون كفارة لسيئاته. ويحتمل أن يكون المعنى : أن الصلوات الخمس فرض عليك ، وعلى المؤمنين ، بخلاف صلاة الليل ، فإنها فرض عليك بالخصوص ، ولكرامتك على الله أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك ، وليكترثوا بك ، وتنال بذلك ، المقام المحمود ، وهو المقام الذي يحمدك فيه ، الأولون والآخرون ، مقام الشفاعة العظمى ، حين يتشفع الخلائق بآدم ، ثم بنوح ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى. وكلهم يعتذر ويتأخر عنها ، حتى يستشفعوا بسيد ولد آدم ، ليرحمهمالله ، من هول الموقف ، وكربه. فيشفع عند ربه ، فيشفعه ، ويقيمه مقاما ، يغبطه به ، الأولون والآخرون. وتكون له المنة على جميع الخلق.
[٨٠] وقوله : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) أي : اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك ، وعلى مرضاتك ، وذلك لتضمنها الإخلاص ، وموافقتها الأمر. (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أي : حجة ظاهرة ، وبرهانا قاطعا على جميع ما آتيه ، وما أذره. وهذا أعلى حالة ، ينزلها الله العبد ، أن تكون أحواله كلها