شرهم ، وبعض من كان إيمانه ضعيفا ، رجع عنه بسبب أن ما أخبرهم به من الأمور التي كانت ليلة الإسراء ، ومن الإسراء من المسجد الحرام ، إلى المسجد الأقصى ، كان خارقا للعادة. والإخبار بوجود شجرة ، تنبت في أصل الجحيم أيضا ، من الخوارق فهذا الذي أوجب لهم التكذيب. فكيف لو شاهدوا الآيات العظيمة والخوارق الجسيمة؟ أليس ذلك أولى أن يزداد بسببه شرهم؟ فلذلك رحمهمالله وصرفها عنهم. ومن هنا تعلم أن عدم التصريح في الكتاب والسنة ، بذكر الأمور العظيمة التي حدثت في الأزمنة المتأخرة ، أولى وأحسن ، لأن الأمور التي لم يشاهد الناس لها نظيرا ، ربما لا تقبلها عقولهم ، فيكون ذلك ريبا في قلوب بعض المؤمنين ، ومانعا ، يمنع من لم يدخل الإسلام ، ومنفرا عنه. بل ذكر الله ألفاظا عامة ، تتناول جميع ما يكون ، والله أعلم. (وَنُخَوِّفُهُمْ) بالآيات (فَما يَزِيدُهُمْ) التخويف (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) وهذا أبلغ ما يكون في التحلي بالشر ومحبته ، وبغض الخير وعدم الانقياد له.
[٦١] ينبه تبارك وتعالى عباده على شدة عداوة الشيطان ، وحرصه على إضلالهم ، وأنه لما خلق الله آدم ، استكبر عن السجود له ، و (قالَ) متكبرا : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) أي : من طين ، وبزعمه ، أنه خير منه ، لأنه خلق من نار. وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة أوجه.
[٦٢] فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم (قالَ) مخاطبا لله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) أي : لأستأصلنهم بالإضلال ، ولأغوينهم (إِلَّا قَلِيلاً) عرف الخبيث ، أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه ، ويعصيه.
[٦٣] فقال الله له : (اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) واختارك على ربه ووليه الحق. (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) أي : مدخرا لكم ، موفرا جزاء أعمالكم.
[٦٤] ثم أمره الله أن يفعل كل ما يقدر عليه من إضلالهم فقال : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) ويدخل في هذا كل داع إلى المعصية. (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله ، فهو من خيل الشيطان ورجله. والمقصود أن الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين ، الداعي لهم إلى معصية الله ، بأقواله وأفعاله. (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) وذلك شامل لكل معصية ، تعلقت بأموالهم وأولادهم ، من منع الزكاة والكفارات ، والحقوق الواجبة وعدم تأديب الأولاد ، وتربيتهم على الشر ، وترك الخير (١) ، وأخذ الأموال بغير حقها ، أو وضعها بغير حقها ، أو استعمال المكاسب الردية. بل ذكر كثير من المفسرين ، أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد ، ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع. وأنه إذا لم يسم الله في ذلك ، شارك فيه الشيطان ، كما ورد فيه الحديث. (وَعِدْهُمْ) الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها ، ولهذا قال : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي :
__________________
(١) في المطبوعة : (وتربيتهم على الخير وترك الشر).