والنهي ، وصاروا موافقين لربهم فيما يريده منهم ، فلهم (الْحُسْنى) أي : الحالة الحسنة ، والثواب الحسن. فلهم من الصفات أجلّها ، ومن المناقب أفضلها. ومن الثواب العاجل والآجل ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) بعد ما ضرب لهم الأمثال ، وبين لهم الحقّ ، لهم الحالة غير الحسنة ، و (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من ذهب وفضة وغيرها ، (وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) من عذاب يوم القيامة ، ما تقبل منهم ، وأنّى لهم ذلك؟ (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) ، وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه ، من عمل سيّىء ، وما ضيعوه من حقوق عباده قد كتب ذلك ، وسطر عليهم ، وقالوا : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً). (وَ) بعد هذا الحساب السيّء (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) الجامعة لكل عذاب ، من الجوع الشديد ، والعطش الوجيع ، والنار الحامية ، والزقوم ، والزمهرير ، والضريع ، وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب ، (وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي : المقر ، والمسكن ، مسكنهم.
[١٩ ـ ٢٠] يقول تعالى : مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) ففهم ذلك ، وعمل به. (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) لا يعلم الحقّ ، ولا يعمل به ، فبينهما من الفرق ، كما بين السماء والأرض ، فحقيق بالعبد أن يتذكر ويتفكر ، أيّ الفريقين أحسن حالا ، وخير مآلا ، فيؤثر طريقها ، ويسلك خلف فريقها ، ولكن ما كل أحد يتذكر ما ينفعه ويضره. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي : أولو العقول الرزينة ، والآراء الكاملة ، الّذين هم ، لبّ العالم ، وصفوة بني آدم ، فإن سألت عن وصفهم ، فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) الذي عهده إليهم ، والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة ، فالوفاء بها ، توفيتها حقها ، من التنمية لها ، والنصح فيها ، (وَ) تمام الوفاء بها ، أنهم (لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) أي : العهد الذي عاهدوا الله عليه ، فدخل في ذلك ، جميع المواثيق والعهود ، والأيمان والنذور ، التي يعقدها العباد. فلا يكون العبد من أولي الألباب ، الّذين لهم الثواب العظيم ، إلا بأدائها كاملة ، وعدم نقضها وبخسها.
[٢١] (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) وهذا عام في كلّ ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به ، وبرسوله ، ومحبته ، ومحبة رسوله ، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له ، ولطاعة رسوله. ويصلون آباءهم وأمهاتهم ، ببرهم بالقول والفعل ، وعدم عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم ، قولا وفعلا. ويصلون ما بينهم وبين الأزواج ، والأصحاب ، والمماليك ، بأداء حقهم ، كاملا موفرا ، من الحقوق الدينية والدنيوية. والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به ، أن يوصل خشية الله ، وخوف يوم الحساب ، ولهذا قال : (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي : يخافونه ، فيمنعهم خوفهم منه ، ومن القدوم عليه يوم الحساب ، أن يتجرأوا على معاصي الله ، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به ، خوفا من العقاب ، ورجاء للثواب.
[٢٢ ـ ٢٤] (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) على المأمورات بامتثالها ، وعن المنهيات بالانكفاف عنها ، والبعد منها ، وعلى أقدار