الجماع ، النسل ، وحينئذ (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) وذلك في ابتداء الحمل ، لا تحس به الأنثى ، ولا يثقلها. (فَلَمَّا) استمرت و (أَثْقَلَتْ) به حين كبر في بطنها ، فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد ، وعلى خروجه حيا ، صحيحا ، سالما لا آفة فيه. لذلك (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا) ولدا (صالِحاً) أي : صالح الخلقة تامها ، لا نقص فيه (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) على وفق ما طلبا ، وتمت عليهما النعمة فيه (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) أي : جعلا لله شركاء في ذلك الولد ، الذي انفرد الله بإيجاده ، والنعمة به ، وأقرّ به أعين والديه ، فعبّداه لغير الله. إما أن يسمياه بعبد غير الله ك «عبد الحارث» و «عبد العزى» و «عبد الكعبة» ونحو ذلك ، أو يشركا في الله في العبادة ، بعد ما منّ الله عليهما بما منّ به ، من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد. وهذا انتقال من النوع إلى الجنس ، فإن أول الكلام في آدم وحواء ، ثمّ انتقل الكلام في الجنس ، ولا شك أن هذا موجود في الذرية كثيرا ، فلذلك قررهم الله على بطلان الشرك ، وأنهم في ذلك ظالمون أشد الظلم ، سواء كان الشرك في الأقوال ، أم في الأفعال. فإن الله هو الخالق لهم ، من نفس واحدة ، الذي خلق منها زوجها وجعل لهم من أنفسهم أزواجا ، ثمّ جعل بينهم من المودة والرحمة ، ما يسكن بعضهم إلى بعض ، ويألفه ، ويلتذ به ، ثمّ هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللذة ، والأولاد والنسل. ثمّ أوجد الذرية في بطون الأمهات ، وقتا موقوتا ، تتشوف إليه نفوسهم ويدعون الله أن يخرجه سويا صحيحا ، فأتم الله عليهم النعمة وأنالهم مطلوبهم. أفلا يستحق أن يعبدوه ، ولا يشركوا في عبادته أحدا ، ويخلصوا له الدين. ولكن الأمر جاء على العكس ، فأشركوا بالله (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ) أي : لعابديها (نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ). فإذا كانت لا تخلق شيئا ، ولا مثقال ذرة ، بل هي مخلوقة ، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عن من يعبدها ، ولا عن أنفسها فكيف تتخذ مع الله آلهة؟ إن هذا إلا أظلم الظلم ، وأسفه السفه.
[١٩٣] (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أي : وإن تدعو ، أيها المشركون هذه الأصنام ، التي عبدتموها من دون الله (إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ، فصار الإنسان أحسن حالة منها ، لأنها لا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تهدي ولا تهدى ، وكل هذا ، إذا تصوره اللبيب العاقل تصورا مجردا ، جزم ببطلان إلهيتها وسفاهة من عبدها. وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان.
[١٩٤ ـ ١٩٦] يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) أي : لا فرق بينكم وبينهم ، فكلكم عبيد لله مملوكون ، فإن كنتم كما تزعمون صادقين ، في أنها تستحق من العبادة شيئا (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) فإن استجابوا لكم ، وحصلوا مطلوبكم وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى ، مفترون على الله أعظم الفرية. وهذا لا يحتاج إلى تبيين فيه ، فإنكم إذا نظرتم إليها وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء ، فليس لها أرجل تمشي بها ، ولا أيد تبطش بها ، ولا أعين تبصر بها ، ولا آذان تسمع بها ، فهي عادمة لجميع الآلات والقوى ، الموجودة في الإنسان. فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها ، فهي عباد أمثالكم ، بل أنتم أكمل منها ، وأقوى على كثير