من الأشياء ، فلأي شيء عبدتموها. (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) أي : اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ، على إيقاع السوء والمكروه بي ، من غير إمهال ولا إنظار ، فإنكم غير بالغين لشيء من المكروه بي. (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) الذي يتولاني فيجلب لي المنافع ويدفع عني المضار. (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) الذي فيه الهدى ، والشفاء ، والنور ، وهو من توليه وتربيته لعباده الخاصة الدينية. (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) الّذين صلحت نياتهم وأعمالهم ، وأقوالهم ، كما قال تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ). فالمؤمنون الصالحون ـ لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى ، ولم يتولوا غيره ، ممن لا ينفع ، ولا يضر ـ تولاهم الله ، ولطف بهم ، وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة ، في دينهم ودنياهم ، ودفع عنهم ـ بإيمانهم ـ كل مكروه ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).
[١٩٧ ـ ١٩٨] وهذا أيضا في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام ، التي يعبدونها ، من دون الله شيئا من العبادة ، لأنها ليس لها استطاعة ولا اقتدار ، في نصر أنفسها ، ولا في نصر عابديها ، وليس لها قوة العقل والاستجابة ، فلو دعوتها إلى الهدى ، لم تهتد ، وهي صور لا حياة فيها. فتراهم ينظرون إليك ، وهم لا يبصرون حقيقة ، لأنهم صوروها على صورة الحيوانات ، من الآدميين أو غيرهم ، وجعلوا لها أبصارا وأعضاء ، فإذا رأيتها قلت : هذه حية ، فإذا تأملتها عرفت أنها جمادات ، لا حراك بها ، ولا حياة ، فبأي رأي اتخذها المشركون آلهة مع الله؟ ولأي مصلحة أو نفع عكفوا عندها ، وتقربوا لها بأنواع العبادات؟ فإذا عرف هذا ، عرف أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها ، لو اجتمعوا وأرادوا أن يكيدوا من تولاه فاطر السموات والأرض ، متولي أحوال عباده الصالحين ، لم يقدروا على كيده ، بمثقال ذرة من الشر ، لكمال عجزهم وعجزها ، وكمال قوة الله واقتداره ، وقوة من احتمى بجلاله ، وتوكل عليه. وقيل : إن معنى قوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أن الضمير يعود إلى المشركين المكذبين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول الله ، نظر اعتبار ، يتبين به الصادق من الكاذب ، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك ، وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق.
[١٩٩] هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس ، وما ينبغي في معاملتهم. فالذي ينبغي أن يعامل به الناس ، أن يأخذ العفو ، أي : ما سمحت به أنفسهم ، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق ، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم ، بل يشكر من كل أحد ، ما قابله به ، من قول وفعل جميل ، أو ما هو دون ذلك ، ويتجاوز عند تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم ، ولا يتكبر على الصغير لصغره ، ولا ناقص العقل لنقصه ، ولا الفقير لفقره ، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال ، وتنشرح له صدورهم. (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي : بكل قول حسن ، وفعل جميل ، وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما يأتي إلى الناس منك ، إما تعليم علم ، أو حثا على خير ، من صلة رحم ، أو برّ والدين ، أو إصلاح بين الناس ، أو نصيحة نافعة ، أو رأي مصيب ، أو معاونة على بر وتقوى ، أو زجر عن قبيح ، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية ، أو دنيوية. ولما كان لا بد من أذية الجاهل ، أمر الله تعالى أن يقابل الجاهل ، بالإعراض عنه ، وعدم مقابلته بجهله. فمن آذاك ، بقوله أو فعله لا تؤذه ، ومن حرمك ، لا تحرمه ، ومن قطعك ، فصله ، ومن ظلمك فاعدل فيه.
[٢٠٠ ـ ٢٠٢] وأما ما ينبغي أن يعامل به العبد شياطين الجن ، فقال تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) إلى (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ). أي : أي وقت ، وفي أي حال (يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي : تحس منه بوسوسة ، وتثبيط عن الخير ، أو حث على الشر ، وإيعاز به. (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي : التجئ واعتصم بالله ، واحتم بحماه (إِنَّهُ سَمِيعٌ) لما تقول. (عَلِيمٌ) بنيتك وضعفك ، وقوة التجائك له ، فسيحميك من فتنته ، ويقيك من وسوسته ، كما قال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١) إلى السورة. ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان ، الذي لا يزال مرابطا ، ينتظر غرته وغفلته ، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ، وأن المتقي إذا أحس بذنب ، ومسه طائف من الشيطان ،