[١٨٧] يقول تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم : (يَسْئَلُونَكَ) أي : المكذبون لك ، المتعنتون (عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) أي : متى وقتها ، الذي تجيء به ، ومتى تحل بالخلق؟ (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي : إنه تعالى المختص بعلمها ، (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) أي : لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه ، إلا هو. (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خفي علمها على أهل السموات والأرض ، واشتد أمرها أيضا عليهم ، فهم من الساعة مشفقون. (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي : فجأة من حيث لا يشعرون ، لم يستعدوا لها ، ولم يتهيأوا لها. (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي : هم حريصون على سؤالك عن الساعة ، كأنك مستحف عن السؤال عنها ، ولم يعلموا أنك ـ لكمال علمك بربك ، وما ينفع السؤال عنه ـ غير مبال بالسؤال الخالي من المصلحة ، المتعذر علمه ، فإنه لا يعلمها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب. وهي من الأمور التي أخفاها عن الخلق ، لكمال حكمته ، وسعة علمه. (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه ، وخصوصا مثل حال هؤلاء الّذين يتركون السؤال عن الأهم ، ويدعون ما يجب عليهم ، من العلم ، ثمّ يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه ، ولا هم مطالبون بعلمه.
[١٨٨] (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فإني فقير مدبر ، لا يأتيني خير ، إلا من الله ، ولا يدفع عني الشر ، إلا هو ، وليس لي من العلم إلا ما علمني الله تعالى. (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) أي : لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع ، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه ، لعلمي بالأشياء قبل كونها ، وعلمي بما تفضي إليه. ولكني ـ لعدم علمي ـ قد ينالني ما ينالني من السوء ، وقد يفوتني ما يفوتني ، من مصالح الدنيا ومنافعها ، فهذا أول دليل على أني لا علم لي بالغيب. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) أنذر بالعقوبات الدينية والدنيوية ، والأخروية ، وأبين الأعمال المفضية إلى ذلك ، وأحذر منها. (وَبَشِيرٌ) بالثواب العاجل ، ببيان الأعمال الموصلة إليه ، والترغيب فيها ، ولكن ليس كل أحد يقبل هذه البشارة والنذارة ، وإنّما ينتفع بذلك ، ويقبله المؤمنون. وهذه الآيات الكريمات ، مبينة جهل من يقصد النبي صلىاللهعليهوسلم ويدعوه لحصول نفع ، أو دفع ضر. فإنه ليس بيده شيء من الأمر ، ولا ينفع من لم ينفعه الله ، ولا يدفع الضر ، عمن لم يدفعه الله عنه ، ولا له من العلم ، إلا ما علمه الله ، وإنّما ينفع من قبل ما أرسل به ، من البشارة والنذارة ، وعمل بذلك. فهذا نفعه عليهالسلام ، الذي فاق نفع الآباء والأمهات ، والأخلاء والإخوان ، بما حث العباد على كل خير ، وحذرهم عن كل شر ، وفيه لهم ، غاية البيان والإيضاح.
[١٨٩ ـ ١٩٢] أي : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أيها الرجال والنساء ، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم. (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وهو : آدم أبو البشر صلىاللهعليهوسلم. (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي : خلق من آدم زوجته حواء (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ، ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر ، فانقاد كل منهما إلى صاحبه ، بزمام الشهوة. (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي تجللها مجامعا لها قدر الباري أن يوجد من تلك الشهوة ، وذلك