وطغيانه ، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله ، إما بهلاك ، أو عذاب شديد. فقال الواعظون : نعظهم وننهاهم (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) ، أي : لنعذر فيهم. (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : يتركون ما هم فيه من المعصية ، فلا نيأس من هدايتهم ، فربما نجح فيهم الوعظ ، وأثر فيهم اللوم. وهذا هو المقصود الأعظم ، من إنكار المنكر ، ليكون معذرة ، وإقامة حجة على المأمور المنهي ، ولعل الله أن يهديه ، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر ، والنهي. (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) أي : تركوا ما ذكروا به ، واستمروا على غيهم واعتدائهم. (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وهكذا سنة الله في عباده ، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم الّذين اعتدوا في السبت (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أي : شديد (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) ، وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) ، فاختلف المفسرون في نجاتهم ، وهلاكهم ، والظاهر ، أنهم كانوا من الناجين ، لأن الله خص الهلاك بالظالمين ، وهو لم يذكر ، أنهم ظالمون. فدل على أن العقوبة ، خاصة بالمعتدين في السبت ، ولأن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فرض كفاية ، إذا قام به البعض ، سقط عن الآخرين ، فاكتفوا بإنكار أولئك ، ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) فأبدوا من غضبهم عليهم ، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة ، لفعلهم ، وأن الله سيعاقبهم أشد العقوبة.
[١٦٦ ـ ١٦٧] (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا) أي : قسوا فلم يلينوا ، ولا اتعظوا ، (قُلْنا لَهُمْ) قولا قدريا ، (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) فانقلبوا بإذن الله قردة ، وأبعدهم الله من رحمته ، ثمّ ذكر ضرب الذلة والصغار على من بقي منهم فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أي : اعلم إعلاما ، صريحا : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي : يهينهم ، ويذلهم. (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) لمن عصاه ، حتى إنه يعجل له العقوبة في الدنيا. (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب إليه وأناب ، يغفر له الذنوب ، ويستر عليه العيوب ، ويرحمه ، بأن يتقبل منه الطاعات ، ويثيبه عليها بأنواع المثوبات. وقد فعل الله بهم ما وعدهم به ، فلا يزالون في ذل وإهانة ، تحت حكم غيرهم ، لا تقوم لهم راية ، ولا ينصر لهم علم.
[١٦٨] (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) أي : فرقناهم ومزقناهم في الأرض ، بعد ما كانوا مجتمعين ، (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) القائمون بحقوق الله ، وحقوق عباده ، (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي : دون الصلاح ، إما مقتصدون ، وإما الظالمون لأنفسهم ، (وَبَلَوْناهُمْ) أي عادتنا وسنتنا ، (بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) أي : باليسر والعسر. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما هم عليه مقيمون ، من الردى ، ويراجعون ما خلقوا له من الهدى ، فلم يزالوا بين صالح ، وطالح ، ومقتصد.
[١٦٩ ـ ١٧٠] (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) زاد شرهم (وَرِثُوا) بعدهم (الْكِتابَ) وصار المرجع فيه إليهم ، وصاروا يتصرفون فيه بأهوائهم ، وتبذل لهم الأموال ، ليفتوا ويحكموا ، بغير الحقّ ، وفشت فيهم الرشوة. (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ) مقرين بأنه ذنب وأنهم ظلمة : (سَيُغْفَرُ لَنا) وهذا قول خال من الحقيقة ، فإنه ليس استغفارا