من حر الشمس ، (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَ) وهو الحلوى ، (وَالسَّلْوى) وهو لحم طير ، من أحسن أنواع الطيور ، وألذها ، فجمع الله لهم ، بين الظلال ، والشراب ، والطعام الطيب ، من الحلوى واللحوم ، على وجه الراحة والطمأنينة. وقيل لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا) حين لم يشكروا الله ، ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث فوتوها كل خير ، وعرضوها للشر والنقمة ، وهذا كان مدة لبثهم في التيه.
[١٦١ ـ ١٦٢] (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) أي : ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا ، وهي «إيلياء» (وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) أي : قرية كانت كثيرة الأشجار ، غزيرة الثمار ، رغيدة العيش ، فلذلك أمرهم الله أن يأكلوا منها حيث شاؤوا. (وَقُولُوا) حين تدخلون الباب : (حِطَّةٌ) أي : احطط عنا خطايانا ، واعف عنا. (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) أي : خاضعين لربكم ، مستكينين لعزته ، شاكرين لنعمته ، فأمرهم بالخضوع ، وسؤال المغفرة ، ووعدهم على ذلك ، مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل فقال : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) من خير الدنيا والآخرة ، فلم يمتثلوا هذا الأمر الإلهي ، بل خالفوا. (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي : عصوا الله واستهانوا بأمره (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فقالوا ، بدل طلب المغفرة ، وقولهم : (حِطَّةٌ) ، (حبة في شعيرة) ، وإذا بدلوا القول ـ مع يسره وسهولته ـ فتبديلهم للفعل من باب أولى ، ولهذا دخلوا يزحفون على أستاههم. (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) حين خالفوا أمر الله وعصوه (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي : عذابا شديدا ، إما الطاعون وإما غيره ، من العقوبات السماوية. وما ظلمهم الله بعقابه ، وإنّما كان ذلك (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ).
[١٦٣] (وَسْئَلْهُمْ) أي : اسأل بني إسرائيل (عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي : على ساحله ، في حال تعديهم وعقاب الله إياهم. (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) وكان الله تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا ، فابتلاهم الله ، وامتحنهم ، فكانت (تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) أي كثيرة طافية على وجه البحر. (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) أي : إذا ذهب يوم السبت (لا تَأْتِيهِمْ) أي : تذهب في البحر ، فلا يرون منها شيئا (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) ، ففسقهم ، هو الذي أوجب أن يبتليهم الله ، وأن تكون لهم هذه المحنة ، وإلا ، فلو لم يفسقوا ، لعافاهم الله ، ولما عرضهم للبلاء والشر ، فتحيلوا على الصيد ، فكانوا يحفرون لها حفرا ، وينصبون لها الشباك ، فإذا جاءت يوم السبت ، ووقعت في تلك الحفر والشباك ، لم يأخذوها في ذلك اليوم ، فإذا جاء يوم الأحد ، أخذوها ، وكثر فيهم ذلك.
[١٦٤ ـ ١٦٥] وانقسموا ثلاث فرق. معظمهم ، اعتدوا وتجرؤوا ، وأعلنوا بذلك. وفرقة أعلنت بنهيهم ، والإنكار عليهم. وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم ، ونهيهم لهم وقالوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ، كأنهم يقولون : لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله ، ولم يصغ للنصيحة ، بل استمر على اعتدائه