النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وهو القرآن ، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات ويقتدى به ، إذا تعارضت المقالات ، (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الظافرون ، بخير الدنيا والآخرة ، والناجون من شرهما ، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح. وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي ، ويعزره ، وينصره ، ولم يتبع النور الذي أنزل معه ، فأولئك هم الخاسرون. ولما دعا أهل التوراة من بني إسرائيل ، إلى اتباعه ، وكان ربما توهم متوهم ، أن الحكم مقصور عليهم ، أتى بما يدل على العموم فقال : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) أي : عربيكم ، وعجميكم ، أهل الكتاب فيكم ، وغيرهم. (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يتصرف فيها بأحكامه الكونية والتدابير السلطانية ، وبأحكامه الشرعية الدينية ، التي من جملتها : أن أرسل إليكم رسولا عظيما يدعوكم إلى الله ، وإلى دار كرامته ، ويحذركم من كل ما يباعدكم منه ، ومن دار كرامته. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا معبود بحق ، إلا الله وحده لا شريك له ، ولا تعرف عبادته إلا من طريق رسله. (يُحيِي وَيُمِيتُ) أي : من جملة تدابيره : الإحياء والإماتة ، التي لا يشاركه فيها أحد ، وقد جعل الله الموت ، جسرا ، ومعبرا ، يعبر الإنسان منه إلى دار البقاء ، التي من آمن بها ، صدق الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم قطعا. (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ) إيمانا في القلب ، متضمنا لأعمال القلوب والجوارح ، (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) ، أي : آمنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده ، وأعماله ، (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) في مصالحكم الدينية والدنيوية ، فإنكم إذا لم تتبعوه ، ضللتم ضلالا بعيدا.
[١٥٩] (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ) أي : جماعة (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) أي : يهدون الناس في تعليمهم إياهم ، وفتواهم لهم ، يعدلون به في الحكم بينهم ، في قضاياهم ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٢٤) ، وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه الصلاة والسّلام ، وأن الله تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره. وكان الإتيان بهذه الآية الكريمة ، فيه نوع احتراز مما تقدم ، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل ، المنافية للكمال المناقضة للهداية ، فربما توهم متوهم ، أن هذا يعم جميعهم ، فذكر تعالى ، أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.
[١٦٠] (وَقَطَّعْناهُمُ) أي : قسمناهم (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) أي : اثنتي عشرة قبيلة ، متعارفة ، متوالفة ، كل بني رجل من أولاد يعقوب ، قبيلة. (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) أي : طلبوا منه أن يدعو الله تعالى ، أن يسقيهم ما يشربون منه ، وتشرب منه مواشيهم ، وذلك لأنهم ـ والله أعلم ـ في محل قليل الماء. فأوحى الله لموسى ، إجابة لطلبهم (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) يحتمل أنه حجر معين ، ويحتمل أنه اسم جنس ، يشمل أي حجر كان ، فضربه (فَانْبَجَسَتْ) أي : انفجرت من ذلك الحجر (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) جارية سارحة. (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) أي : قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة ، وجعل لكم منهم عينا ، فعلموها ، واطمأنوا ، واستراحوا من التعب والمزاحمة ، وهذا من تمام نعمة الله عليهم. (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ) فكان يسترهم