وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) أي : أنت خير من غفر ، وأولى من رحم ، وأكرم من أعطى ، وتفضل. فكأن موسى عليه الصلاة والسلام ، قال : المقصود يا رب بالقصد الأول لنا كلنا ، هو التزام طاعتك ، والإيمان بك ، وأن من حضره عقله ورشده ، وتم على ما وهبته من التوفيق ، فإنه لم يزل مستقيما ، وأما من ضعف عقله ، وسفه رأيه ، وصرفته الفتنة ، فهو الذي فعل ما فعل ، لذلك السببين ، ومع هذا ، فأنت أرحم الراحمين ، وخير الغافرين ، فاغفر لنا وارحمنا.
[١٥٦] فأجاب الله سؤاله ، وأحياهم من بعد موتهم ، وغفر لهم ذنوبهم ، وقال موسى في تمام دعائه (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) من علم نافع ، ورزق واسع ، وعمل صالح. (وَفِي الْآخِرَةِ) حسنة ، وهي ما أعد الله لأوليائه الصالحين من الثواب. (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي : رجعنا مقرين بتقصيرنا ، منيبين في جميع أمورنا ، (قالَ) الله تعالى : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) ممن كان شقيا ، متعرضا لأسبابه ، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) من العالم العلوي والسفلي ، والبر والفاجر ، المؤمن والكافر. فلا مخلوق ، إلا قد وصلت إليه رحمة الله ، وغمره فضله وإحسانه ، ولكن الرحمة الخاصة ، المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة ، ليست لكل أحد ، ولهذا قال عنها : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) المعاصي ، صغارها ، وكبارها. (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) الواجبة مستحقيها (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) ، ومن تمام الإيمان بآيات الله ، معرفة معناها ، والعمل بمقتضاها ، ومن ذلك اتباع النبي صلىاللهعليهوسلم ، ظاهرا وباطنا ، في أصول الدين ، وفروعه.
[١٥٧ ـ ١٥٨] (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) احتراز عن سائر الأنبياء ، فإن المقصود بهذا ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلىاللهعليهوسلم. والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، شرط في دخولهم في الإيمان ، وأن المؤمنين به ، المتبعين ، هم أهل الرحمة المطلقة ، التي كتبها الله لهم ، ووصفه بالأمي ، لأنه من العرب ، الأمة الأمية ، التي لا تقرأ ولا تكتب ، وليس عندها قبل القرآن كتاب. (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) باسمه وصفته ، التي من أعظمها وأجلها ، ما يدعو إليه وينهى عنه. وأنه (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ، ونفعه. (وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو : كل ما عرف قبحه في العقول ، والفطر ، فيأمرهم بالصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، وصلة الأرحام ، وبر الوالدين ، والإحسان إلى الجار ، والمملوك ، وبذل النفع لسائر الخلق ، والصدق ، والعفاف ، والبر ، والنصيحة ، وما أشبه ذلك. وينهى عن الشرك بالله ، وقتل النفوس بغير حق ، والزنا ، وشرب ما يسكر العقل ، والظلم لسائر الخلق ، والكذب ، والفجور ، ونحو ذلك. فأعظم دليل يدل على أنه رسول الله ، ما دعا إليه ، وأمر به ، ونهى عنه ، وأحله ، وحرّمه ، فإنه (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) من المطاعم ، والمشارب ، والمناكح. (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) من المطاعم ، والمشارب ، والمناكح ، والأقوال ، والأفعال. (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) أي : ومن وصفه أن دينه ، سهل سمح ميسر ، لا إصر فيه ، ولا أغلال ، ولا مشقات ، ولا تكاليف ثقال. (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) أي : عظموه وبجلوه (وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا