ولحيته (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) وقال له : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (٩٣) لك بقولي : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) (وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ). (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ، و (قالَ) هنا (ابْنَ أُمَ) هذا ترقيق لأخيه ، بذكر الأم وحدها ، وإلا فهو شقيقه لأمه وأبيه. (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) أي : احتقروني حين قلت لهم : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) ، (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) أي : فلا تظن بي تقصيرا (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) بنهرك لي ، ومسكك إياي بسوء ، فإن الأعداء ، حريصون على أن يجدوا عليّ عثرة ، أو يطلعوا لي على زلة ، (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فتعاملني معاملتهم.
[١٥١ ـ ١٥٢] فندم موسى عليهالسلام على ما استعجل من صنعه بأخيه ، قبل أن يعلم براءته ، مما ظنه فيه من التقصير ، و (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) هارون (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) أي : في وسطها ، واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب ، فإنها حصن حصين ، من جميع الشرور ، وثمّ كل خير وسرور. (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي : أرحم بنا من كل راحم ، أرحم بنا من آبائنا ، وأمهاتنا ، وأولادنا ، وأنفسنا. قال الله تعالى ـ مبينا حال أهل العجل الذين عبدوه : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلها (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) كما أغضبوا ربهم واستهانوا بأمره. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) فكل مفتر على الله ، كاذب على شرعه ، متقول عليه ما لم يقل ، فإن له نصيبا من الغضب ، من الله ، والذل في الحياة الدنيا ، وقد نالهم غضب الله ، حيث أمرهم أن يقتلوا أنفسهم ، وأنه لا يرضى الله عنهم إلا بذلك.
[١٥٣] فقتل بعضهم بعضا ، وانجلت المعركة ، عن كثير من القتلى ثم تاب الله عليهم بعد ذلك ، ولهذا ذكر حكما عاما يدخلون فيه وغيرهم فقال : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) من شرك ، وكبائر ، وصغائر (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها) بأن ندموا على ما مضى ، وأقلعوا عنه ، وعزموا على أن لا يعودوا (وَآمَنُوا) بالله ، وبما أوجب الله من الإيمان به ، ولا يتم الإيمان إلا بأعمال القلوب ، وأعمال الجوارح المترتبة على الإيمان (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي : بعد هذه الحالة ، حالة التوبة من السيئات والرجوع إلى الطاعات ، (لَغَفُورٌ) يغفر السيئات ويمحوها ، ولو كانت ملء قراب الأرض ، (رَحِيمٌ) بقبول التوبة ، والتوفيق لأفعال الخير وقبولها.
[١٥٤] (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) أي : سكن غضبه ، وتراجعت نفسه ، وعرف ما هو فيه ، اشتغل بأهم الأشياء عنده ، ف (أَخَذَ الْأَلْواحَ) التي ألقاها ، وهي ألواح عظيمة المقدار ، جليلة (وَفِي نُسْخَتِها) أي : مشتملة ومتضمنة (هُدىً وَرَحْمَةٌ) أي : فيها الهدى من الضلالة ، وبيان الحق من الباطل ، وأعمال الخير ، وأعمال الشر ، والهدى لأحسن الأعمال ، والأخلاق ، والآداب ، ورحمة وسعادة ، لمن عمل بها ، وعلم أحكامها ومعانيها ، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى الله ورحمته ، وإنما يقبل ذلك وينقاد له ، ويتلقاه بالقبول (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) ، أي : يخافون منه ويخشونه. وأما من لم يخف الله ، ولا المقام بين يديه ، فإنه لا يزداد بها ، إلا عتوا ونفورا ، وتقوم عليه حجة الله فيها.
[١٥٥] (وَ) لما تاب بنو إسرائيل وتراجعوا إلى رشدهم (اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) أي : منهم (سَبْعِينَ رَجُلاً) من خيارهم ، ليعتذروا لقومهم عند ربهم ، ووعدهم الله ميقاتا يحضرون فيه ، فلما حضروه ، قالوا : يا موسى ، (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) فتجرؤوا على الله جراءة كبيرة ، وأساؤوا الأدب معه ، ف (أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) فصعقوا وهلكوا. فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام ، يتضرع إلى الله ويتبتل (قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) أن يحضروا ويكونوا في حالة يعتذرون فيها لقومهم ، فصاروا هم الظالمين. (وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) أي : ضعفاء العقول ، سفهاء الأحلام ، فتضرع إلى الله ، واعتذر بأن المجترئين على الله ، ليس لهم عقول كاملة ، تردعهم عما قالوا وفعلوا ، وبأنهم حصل لهم فتنة يخطر بها الإنسان ، ويخاف من ذهاب دينه فقال : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ