ورسوله ، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) أي : الهدى والاستقامة ، وهو الصراط الموصل إلى الله ، وإلى دار كرامته. (لا يَتَّخِذُوهُ) أي : لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه (سَبِيلاً) ، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِ) أي : الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) ، والسبب في انحرافهم هذا الانحراف (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ، فردهم لآيات الله ، وغفلتهم عما يراد بها ، واحتقارهم لها ـ هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي ، وترك طريق الرشد ، ما أوجب.
[١٤٧] (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) العظيمة الدالة على صحة ما أرسلنا به رسلنا. (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لأنها على غير أساس ، وقد فقد شرطها وهو ، الإيمان بآيات الله ، والتصديق بجزائه. (هَلْ يُجْزَوْنَ) في بطلان أعمالهم ، وحصول ضد مقصودهم (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فإن أعمال من لا يؤمن باليوم الآخر ، لا يرجو فيها ثوابا ، وليس لها غاية تنتهي إليها ، فلذلك اضمحلّت وبطلت.
[١٤٨] (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً) صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار (لَهُ خُوارٌ) وصوت فعبدوه ، واتخذوه إلها. (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) فنسي موسى ، وذهب يطلبه ، وهذا من سفههم ، وقلة بصيرتهم ، كيف اشتبه عليهم ، رب الأرض والسموات ، بعجل من أنقص المخلوقات؟ ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية ، ولا الفعلية ، ما يوجب أن يكون إلها ، (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) أي : وعدم الكلام ، نقص عظيم ، فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد ، الذي لا يتكلم (وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) أي : لا يدلهم طريقا دينيا ، ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية ، لأن من المتقرر في العقول والفطر ، أن اتخاذ إله لا يتكلم ، ولا ينفع ، ولا يضر ، من أبطل الباطل ، وأسمج السفه ، ولهذا قال : (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) حيث وضعوا العبادة في غير موضعها ، وأشركوا بالله ، ما لم ينزل به سلطانا ، وفيها دليل على أن من أنكر كلام الله ، فقد أنكر خصائص إلهية الله تعالى ، لأن الله ذكر أن عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية.
[١٤٩] (وَلَمَّا) رجع موسى إلى قومه ، فوجدهم على هذه الحال ، وأخبرهم بضلالهم ، ندموا (سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي : من الهم والندم على فعلهم ، (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) فتنصلوا ، إلى الله وتضرعوا (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) فيدلنا عليه ، ويرزقنا عبادته ، ويوفقنا لصالح الأعمال ، (وَيَغْفِرْ لَنا) ما صدر منا من عبادة العجل ، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا الدنيا والآخرة.
[١٥٠] (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) أي : ممتلئا غضبا وغيظا عليهم ، لتمام غيرته عليهالسلام ، وكمال نصحه وشفقته ، (قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) أي : بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم ، فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي ، والشقاء السرمدي. (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) حيث وعدكم بإنزال الكتاب. فبادرتم ـ برأيكم الفاسد ـ إلى هذه الخصلة القبيحة. (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) أي : رماها من الغضب (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) هارون