فتأخذ نصيبها من الراحة. ثمّ يزيل الله ذلك ، بالضياء ، وهكذا أبدا إلى يوم القيامة. (وَ) جعل تعالى (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) بهما تعرف الأزمنة والأوقات ، فتنضبط بذلك أوقات العبادات ، وآجال المعاملات ، ويعرف بها مدة ما مضى من الأوقات التي لو لا وجود الشمس والقمر ، وتناوبهما ، واختلافهما ـ لما عرف ذلك ، عامة الناس ، واشتركوا في علمه. بل كان لا يعرفه ، إلا أفراد من الناس ، بعد الاجتهاد ، وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ، ما يفوت. (ذلِكَ) التقدير المذكور (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الذي ـ من عزته ـ انقادت له هذه المخلوقات العظيمة ، فجرت مذللة مسخرة بأمره ، بحيث لا تتعدى ما حده الله لها ، ولا تتقدم عنه ولا تتأخر. (الْعَلِيمِ) الذي أحاط علمه ، بالظواهر والبواطن ، والأوائل والأواخر. ومن الأدلة العقلية على إحاطة علمه ، تسخير هذه المخلوقات العظيمة ، على تقدير ، ونظام بديع ، تحيرت العقول ، في حسنه ، وكماله ، وموافقته للمصالح والحكم.
[٩٧] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) حين تشتبه عليكم المسالك ، ويتحير في سيره السالك. فجعل الله النجوم ، هداية للخلق إلى السبيل ، التي يحتاجون إلى سلوكها لمصالحهم ، وتجاراتهم ، وأسفارهم. منها : نجوم لا تزال ترى ، ولا تسير عن محلها. ومنها : ما هو مستمر السير ، يعرف سيره أهل المعرفة بذلك ، ويعرفون به الجهات والأوقات. ودلت هذه الآية ونحوها ، على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالها الذي يسمى علم التسيير ، فإنه لا تتم الهداية ولا تمكن ، إلا بذلك. (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أي : بيناها ، ووضحناها ، وميزنا كل جنس ونوع منها عن الآخر ، بحيث صارت آيات الله ، بادية ظاهرة. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : لأهل العلم والمعرفة ، فإنهم الّذين يوجه إليهم الخطاب ، ويطلب منهم الجواب. بخلاف أهل الجهل والجفاء ، المعرضين عن آيات الله ، وعن العلم الذي جاء به الرسل ، فإن البيان لا يفيدهم شيئا ، والتفصيل ، لا يزيل عنهم ملتبسا ، والإيضاح لا يكشف لهم مشكلا.
[٩٨] (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وهو : آدم عليهالسلام. أنشأ الله منه هذا العنصر الآدمي ؛ الذي قد ملأ الأرض. ولم يزل في زيادة ونمو ، الذي قد تفاوت في أخلاقه وخلقه ، وأوصافه ، تفاوتا لا يمكن ضبطه ، ولا يدرك وصفه. وجعل الله لهم مستقرا ، أي منتهى ينتهون إليه ، وغاية يساقون إليها وهي : دار القرار ، التي لا مستقر وراءها ، ولا نهاية فوقها. فهذه الدار ، هي التي خلق الخلق لسكناها ، وأوجدوا في الدنيا ، ليسعوا في أسبابها ، التي تنشأ عليها وتعمر بها. وأودعهم الله في أصلاب آبائهم ، وأرحام أمهاتهم ، ثمّ في دار الدنيا ، ثمّ في البرزخ. كل ذلك ، على وجه الوديعة ، التي لا تستقر ولا تثبت ، بل ينتقل منها ، حتى يوصل إلى الدار ، التي هي المستقر. وأما هذه الدار ، فإنها مستودع وممر. (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) عن الله آياته ، ويفهمون عنه حججه ، وبيناته.
[٩٩] وهذا : من أعظم مننه العظيمة ، التي يضطر إليها الخلق ، من الآدميين وغيرهم. وهو أنه أنزل من السماء ماء متتابعا ، وقت حاجة الناس إليه ، فأنبت الله به كل شيء ، مما يأكل الناس والأنعام. فرتع الخلق ، بفضل الله ،