خالف ذلك ، أخفوه وكتموه ، وذلك كثير. (وَعُلِّمْتُمْ) من العلوم ، التي بسبب ذلك الكتاب الجليل (ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) فإذا سألتهم عن من أنزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات ـ فأجب عن هذا السؤال. (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) أي : اتركهم يخوضوا في الباطل ، ويلعبوا بما لا فائدة فيه ، حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
[٩٢] أي : (وَهذا) القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي : وصفه البركة. وذلك لكثرة خيراته ، وسعة مبراته. (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي : موافق للكتب السابقة ، وشاهد لها بالصدق. (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي : وأنزلناه أيضا ، لتنذر أم القرى ، وهي : مكة المكرمة ، ومن حولها ، من ديار العرب ، بل ومن سائر البلدان. فتحذر الناس عقوبة الله ، وأخذه الأمم ، وتحذرهم مما يوجب ذلك. (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) لأن الخوف إذا كان في القلب ، عمرت أركانه ، وانقاد لمراضي الله. (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) أي : يداومون عليها ، ويحفظون أركانها وحدودها ، وشروطها وآدابها ، ومكملاتها. جعلنا الله منهم.
[٩٣] يقول تعالى : لا أحد أعظم ظلما ، ولا أكبر جرما ، ممن كذب على الله. بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه. وإنّما كان هذا أظلم الخلق ، لأن فيه من الكذب ، وتغيير الأديان ، أصولها ، وفروعها ، ونسبة ذلك إلى الله ـ ما هو من أكبر المفاسد. ويدخل في ذلك ، ادعاء النبوة ، وأن الله يوحي إليه ، وهو كاذب في ذلك. فإنه ـ مع كذبه على الله ، وجرأته على عظمته وسلطانه ـ يوجب على الخلق أن يتبعوه ، ويجاهدهم على ذلك ، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم. ويدخل في هذه الآية ، كل من ادعى النبوة ، كمسيلمة الكذّاب ، والأسود العنسي ، والمختار ، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف. (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) أي : ومن أظلم ممن زعم ، أنه يقدر على ما يقدر الله عليه ، ويجاري الله في أحكامه ، ويشرع من الشرائع ، كما شرعه الله. ويدخل في هذا ، كل من يزعم أنه يقدر على معارضة القرآن ، وأنه في إمكانه ، أن يأتي بمثله. وأي ظلم أعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات ، الناقص من كل وجه ، مشاركة القوي الغني ، الذي له الكمال المطلق ، من جميع الوجوه ، في ذاته وأسمائه وصفاته؟ ولما ذم الظالمين ، ذكر ما أعد لهم من العقوبة في حال الاحتضار ، ويوم القيامة فقال : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) أي : شدائده وأهواله الفظيعة ، وكربه الشنيعة ـ لرأيت أمرا هائلا ، وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها. (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) إلى أولئك الظالمين المحتضرين بالضرب ، والعذاب. يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها ، وتعصيها عن الخروج من الأبدان : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي : العذاب الشديد ، الذي يهينكم ويذلكم والجزاء من جنس العمل. فإن هذا العذاب (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) من كذبكم عليه ، وردكم للحق ، الذي جاءت به الرسل. (وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) أي : تترفعون عن الانقياد لها ، والاستسلام لأحكامها. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه. فإن هذا الخطاب ، والعذاب الموجه إليهم إنّما هو عند الاحتضار ، وقبيل الموت وبعده. وفيه دليل ، على أن الروح جسم ، يدخل ويخرج ، ويخاطب ، ويساكن الجسد ،