بِالشَّاكِرِينَ) الّذين يعرفون النعمة ، ويقرون بها ، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح ، فيضع فضله ومنّته عليهم ، دون من ليس بشاكر. فإن الله تعالى حكيم ، لا يضع فضله ، عند من ليس له أهل. وهؤلاء ، المعترضون بهذا الوصف بخلاف من منّ الله عليهم ، بالإيمان ، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون.
[٥٤] ولما نهى الله رسوله ، عن طرد المؤمنين القانتين ، أمره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام ، والتبجيل والاحترام ، فقال : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي : وإذا جاءك المؤمنون ، فحيهم ، ورحّب بهم ولقهم منك تحية وسلاما ، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم ، من رحمة الله ، وسعة جوده وإحسانه ، وحثهم على كل سبب وطريق ، يوصل لذلك. ورهبهم من الإقامة على الذنوب ، وأمرهم بالتوبة من المعاصي ، لينالوا مغفرة ربهم وجوده. ولهذا قال : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ) أي : فلا بد مع ترك الذنوب ، والإقلاع ، والندم عليها ، من إصلاح العمل ، وأداء ما أوجب الله ، وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة. فإذا وجد ذلك كله (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : صب عليهم من مغفرته ورحمته ، بحسب ما قاموا به ، بما أمرهم به.
[٥٥] (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : نوضحها ونبينها ، ونميز بين طريق الهدى من الضلال ، والغي والرشاد ، ليهتدي بذلك المهتدون ، ويتبين الحقّ الذي ينبغي سلوكه. (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الموصلة إلى سخط الله وعذابه. فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت ، أمكن اجتنابها ، والبعد منها. بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة ، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل.
[٥٦] يقول تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) لهؤلاء المشركين الّذين يدعون مع الله آلهة أخرى. (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأنداد والأوثان ، التي لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فإن هذا باطل ، وليس لكم فيه حجة ولا شبهة ، إلا اتباع الهوى الذي اتباعه أعظم الضلال. ولهذا قال : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي : إن اتبعت أهواءكم (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) بوجه من الوجوه. وأما ما أنا عليه ، من توحيد الله ، وإخلاص العمل له ، فإنه هو الحقّ الذي تقوم عليه البراهين والأدلة القاطعة.
[٥٧] وأنا (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : على يقين مبين ، بصحته ، وبطلان ما عداه. وهذه شهادة من الرسول جازمة ، لا تقبل التردد ، وهو أعدل الشهود على الإطلاق. فصدق بها المؤمنون ، وتبين لهم من صحتها وصدقها ، بحسب ما منّ الله به عليهم. (وَ) لكنكم أيها المشركون ـ (كَذَّبْتُمْ بِهِ) وهو لا يستحق هذا منكم ، ولا يليق به إلا التصديق. وإذا استمررتم على تكذيبكم ، فاعلموا أن العذاب واقع بكم لا محالة وهو عند الله ، هو الذي ينزله عليكم ، إذا شاء ، وكيف شاء. وإن استعجلتم به ، فليس بيدي من الأمر شيء (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ). فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي ، فأمر ونهى ، فإنه سيحكم بالحكم الجزائي ، فيثيب ويعاقب ، بحسب ما تقتضيه