من الأئمة ، على اختلاف في بعض التفاصيل. (ذلِكَ) النكال (لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) أي : فضيحة وعار (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ). فدل هذا ، أن قطع الطريق ، من أعظم الذنوب ، موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الآخرة. وأن فاعله ، محارب لله ولرسوله. وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة ، علم أن تطهير الأرض من المفسدين ، وتأمين السبل والطرق ، عن القتل ، وأخذ الأموال ، وإخافة الناس ، من أعظم الحسنات ، وأجل الطاعات ، وأنه إصلاح في الأرض ، كما أن ضده إفساد في الأرض. (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أي : من هؤلاء المحاربين. (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : فيسقط عنه ، ما كان لله ، من تحتم القتل ، والصلب ، والقطع ، والنفي. ومن حق الآدمي أيضا ، إن كان المحارب كافرا ثم أسلم. فإن كان المحارب مسلما ، فإن حق الآدمي ، لا يسقط عنه من القتل ، وأخذ المال. ودل مفهوم الآية ، على أن توبة المحارب ـ بعد القدرة عليه ـ أنها لا تسقط عنه شيئا. والحكمة في ذلك ظاهرة. وإذا كانت التوبة قبل القدرة عليه ، تمنع من إقامة الحد في الحرابة ، فغيرها من الحدود ـ إذا تاب من فعلها ، قبل القدرة عليه ـ من باب أولى.
[٣٥] هذا أمر من الله لعباده المؤمنين ، بما يقتضيه الإيمان ، من تقوى الله ، والحذر من سخطه وغضبه. وذلك بأن يجتهد العبد ، ويبذل غاية ما يمكنه المقدور ، في اجتناب ما يسخطه الله ، من معاصي القلب ، واللسان ، والجوارح ، الظاهرة ، والباطنة. ويستعين بالله على تركها ، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي : القرب منه ، والحظوة لديه ، والحب له. وذلك بأداء فرائضه القلبية ، كالحب له ، وفيه ، والخوف ، والرجاء ، والإنابة والتوكل. والبدنية : كالزكاة ، والحج. والمركبة من ذلك ، كالصلاة ونحوها ، من أنواع القراءة والذكر ، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق ، بالمال ، والعلم ، والجاه ، والبدن ، والنصح لعباد الله. فكل هذه الأعمال ، تقرّب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله ، حتى يحبه. فإذا أحبه ، كان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ويستجيب الله له الدعاء. ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه ، الجهاد في سبيله ، وهو : بذل الجهد في قتال الكافرين ، بالمال ، والنفس ، والرأي ، واللسان ، والسعي في نصر دين الله ، بكل ما يقدر عليه العبد ، لأن هذا النوع ، من أجلّ الطاعات ، وأفضل القربات. ولأن من قام به ، فهو على القيام بغيره ، أحرى وأولى (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) إذا اتقيتم الله ، بترك المعاصي ، وابتغيتم الوسيلة إلى الله ، بفعل الطاعات ، وجاهدتم في سبيله ، ابتغاء مرضاته. والفلاح هو : الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب ، والنجاة من كل مرهوب. فحقيقته ، السعادة الأبدية ، والنعيم المقيم.
[٣٦ ـ ٣٧] يخبر تعالى عن شناعة حال الكافرين يوم القيامة وما لهم من العذاب الفظيع. وأنهم لو افتدوا من عذاب الله ، بملء الأرض ذهبا ومثله معه ، ما تقبل منهم ، ولا أفاد ، لأن محل الافتداء قد فات ، ولم يبق إلا العذاب الأليم ، الموجع الدائم الذي لا يخرجون منه أبدا ، بل هم ماكثون فيه سرمدا.
[٣٨ ـ ٤٠] السارق : هو من أخذ مال غيره المحترم خفية ، بغير رضاه. وهو من كبائر الذنوب الموجبة ، لترتب العقوبة الشنيعة ، وهو قطع اليد اليمنى ، كما هو في قراءة بعض الصحابة. وحد اليد عند الإطلاق من الكوع. فإذا سرق ، قطعت يده من الكوع ، وحسمت في زيت ، لتنسد العروق فيقف الدم. ولكن السنّة قيدت عموم هذه الآية ، من عدة أوجه : منها : الحرز ، فإنه لا بد أن تكون السرقة من حرز ، وحرز كل مال : ما يحفظ به عادة. فلو سرق من غير حرز ، فلا قطع عليه. ومنها : أنه لا بد أن يكون المسروق نصابا ، وهو : ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، أو ما يساوي أحدهما. فلو سرق دون ذلك ، فلا قطع عليه. ولعل هذا يؤخذ من لفظ السرقة ومعناها. فإن لفظ «السرقة» أخذ الشيء ، على وجه ، لا يمكن الاحتراز منه. وذلك أن يكون المال محرزا. فلو كان غير محرز ، لم يكن ذلك سرقة شرعية. ومن الحكمة أيضا أن لا تقطع اليد ، في الشيء النزر التافه. فلما كان لا بد من التقدير ، كان التقدير