الأول ، شطر من دمها ، لأنه أول من سنّ القتل». فلما قتل أخاه ، لم يدر كيف يصنع به ؛ لأنه أوّل ميت مات من بني آدم ، (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) أي : يثيرها ليدفن غرابا آخر ميتا. (لِيُرِيَهُ) بذلك (كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) أي : بدنه ، لأن بدن الميت يكون عورة (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ). وهكذا عاقبة المعاصي ، الندامة والخسارة.
[٣٢] يقول تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) الذي ذكرناه في قصة ابني آدم ، وقتل أحدهما أخاه ، وسنّة القتل لمن بعده ، وأن القتل ، عاقبته وخيمة وخسارة في الدنيا والآخرة. (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أهل الكتب السماوية (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) أي : بغير حق (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ؛ لأنه ليس معه داع يدعوه إلى التبين ، وأنه لا يقدم على القتل ، إلا بحق. فلما تجرأ على قتل النفس ، التي لم تستحق القتل ، علم أنه لا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره. وإنما ذلك بحسب ما تدعوه إليه نفسه الأمّارة بالسوء. فتجرؤه على قتله ، كأنه قتل الناس جميعا. وكذلك من أحيا نفسا أي : استبقى أحدا ، فلم يقتله مع دعاء نفسه له إلى قتله ، فمنعه خوف الله تعالى من قتله ، فهذا كأنه أحيا الناس جميعا. لأن ما معه من الخوف يمنعه من قتل من لا يستحق القتل. ودلت الآية على أن القتل يجوز بأحد أمرين : إما أن يقتل نفسا بغير حق ، متعمدا في ذلك ، فإنه يحل قتله ، إن كان مكلفا مكافئا ، ليس بوالد للمقتول. وإما أن يكون مفسدا في الأرض ، بإفساده لأديان الناس ، أو أبدانهم ، أو أموالهم ، كالكفار المرتدين ، والمحاربين ، والدعاة إلى البدع الذين لا ينكشف شرهم إلا بالقتل. وكذلك قطّاع الطريق ونحوهم ، ممن يصول على الناس لقتلهم ، أو أخذ أموالهم. (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ) التي لا يبقى معه حجة لأحد. (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) أي : من الناس (بَعْدَ ذلِكَ) البيان القاطع للحجة ، الموجب للاستقامة في الأرض (لَمُسْرِفُونَ) في العمل بالمعاصي ، ومخالفة الرسل ، الذين جاؤوا بالبينات والحجج.
[٣٣] المحاربون لله ولرسوله ، هم الذين بارزوه بالعداوة ، وأفسدوا في الأرض ، بالكفر ، والقتل ، وأخذ الأموال ، وإخافة السبل. والمشهور أن هذه الآية الكريمة ، في أحكام قطّاع الطريق ، الذين يعرضون للناس ، في القرى والبوادي ، فيغصبونهم أموالهم ، ويقتلونهم ، ويخيفونهم ، فيمتنع الناس من سلوك الطريق ، التي هم بها ، فتنقطع بذلك. فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم ـ عند إقامة الحد عليهم ـ أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور. واختلف المفسرون : هل ذلك على التخيير ، وأن كل قاطع طريق ، يفعل به الإمام أو نائبه ، ما رآه المصلحة من هذه الأمور المذكورة؟ وهذا ظاهر اللفظ. أو أن عقوبتهم ، تكون بحسب جرائمهم ، فكل جريمة لها قسط يقابلها ، كما تدل عليه الآية ، بحكمها وموافقتها لحكمة الله تعالى. وأنهم إن قتلوا وأخذوا مالا تحتم قتلهم وصلبهم ، حتى يشتهروا ويختزوا ، ويرتدع غيرهم. وإن قتلوا ، ولم يأخذوا مالا تحتم قتلهم فقط. وإن أخذوا مالا ، ولم يقتلوا ، تحتم أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، اليد اليمنى ، والرجل اليسرى. وإن أخافوا الناس ، ولم يقتلوا ، ولا أخذوا مالا ، نفوا من الأرض ، فلا يتركون يأوون في بلد ، حتى تظهر توبتهم. وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه ، وكثير