الشرعي ، مخصصا للكتاب. والحكمة في قطع اليد في السرقة ، أن ذلك حفظ للأموال ، واحتياط لها ، وليقطع العضو الذي صدرت منه الجناية. فإن عاد السارق ، قطعت رجله اليسرى. فإن عاد ، فقيل : تقطع يده اليسرى ، ثم رجله اليمنى ، وقيل : يحبس حتى يموت. وقوله : (جَزاءً بِما كَسَبا) أي : ذلك القطع ، جزاء للسارق بما سرقه ، من أموال الناس. (نَكالاً مِنَ اللهِ) أي : تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره ، ليرتدع السرّاق ـ إذا علموا ـ أنهم سيقطعون إذا سرقوا. (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : عز وحكم ، فقطع السارق. (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٩). فيغفر لمن تاب ، فترك الذنوب ، وأصلح الأعمال والعيوب. وذلك أن الله له ملك السموات والأرض ، يتصرف فيهما بما شاء ، من التصاريف القدرية والشرعية ، والمغفرة ، والعقوبة ، بحسب ما اقتضته حكمته ورحمته الواسعة ومغفرته.
[٤١] كان الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ـ من شدة حرصه على الخلق ـ يشتد حزنه لمن يظهر الإيمان ، ثم يرجع إلى الكفر. فأرشده الله تعالى ، إلى أنه لا يأسى ولا يحزن على أمثال هؤلاء. فإن هؤلاء ، لا في العير ولا في النفير. إن حضروا لم ينفعوا ، وإن غابوا لم يفقدوا. ولهذا قال ـ مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم ـ فقال : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) فإن الذين يؤسى ويحزن عليهم ، من كان معدودا من المؤمنين ، ظاهرا وباطنا. وحاشا لله ، أن يرجع هؤلاء عن دينهم ، ويرتدوا ، فإن الإيمان ـ إذا خالطت بشاشته القلوب ـ لم يعدل به صاحبه غيره ، ولم يبغ به بدلا. (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي : اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) أي : مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم ، المبني أمرهم على الكذب ، والضلال ، والغي. وهؤلاء الرؤساء المتبعون (لَمْ يَأْتُوكَ) بل أعرضوا عنك وفرحوا بما عندهم من الباطل. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي : يجلبون معاني للألفاظ ، ما أرادها الله ، ولا قصدها ، لإضلال الخلق ، ولدفع الحق. فهؤلاء المنقادون ، للدعاة إلى الضلال ، المتبعين للمحال ، الذين يأتون بكل كذب ، لا عقول لهم ولا همم. فلا تبال أيضا ، إذا لم يتبعوك ، لأنهم في غاية النقص ، والناقص لا يؤبه له ، ولا يبالى به. (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أي : هذا قولهم عند محاكمتهم إليك ، لا قصد لهم ، إلا اتباع الهوى. يقول بعضهم لبعض : إن حكم لكم محمد بهذا الحكم ، الذي يوافق هواكم ، فاقبلوا حكمه. وإن لم يحكم لكم به ، فاحذروا أن تتابعوه على ذلك. وهذا فتنة واتباع ما تهوى الأنفس. (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) كقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ). (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي : فلذلك صدر منهم ما صدر. فدل ذلك ، على أن من كان مقصوده بالتحاكم ، إلى الحكم الشرعي ، اتباع هواه ، وأنه إن حكم له رضي ، وإن لم يحكم له ، سخط ، فإن ذلك من عدم طهارة قلبه. كما أن من حاكم وتحاكم إلى الشرع ، ورضي به ، وافق هواه أو خالفه ، فإنه من طهارة القلب. ودل على أن طهارة القلب ، سبب لكل خير ، وهو أكبر داع إلى كل قول رشيد ، وعمل سديد. (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي : فضيحة وعار (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ