[٢١] فذكرهم بالنعم الدينية والدنيوية ، الداعي ذلك لإيمانهم ، وثباته ، وثباتهم على الجهاد ، وإقدامهم عليه ولهذا قال : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) أي : المطهرة (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ). فأخبرهم خبرا تطمئن به أنفسهم ، إن كانوا مؤمنين مصدقين بخبر الله. وأنه قد كتب الله لهم دخولها ، وانتصارهم على عدوهم. (وَلا تَرْتَدُّوا) أي : ترجعوا (عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) قد خسرتم دنياكم ، بما فاتكم من النصر على الأعداء ، وفتح بلادكم. وآخرتكم ، بما فاتكم من الثواب ، وما استحققتم ـ بمعصيتكم ـ من العقاب. فقالوا قولا ، يدل على ضعف قلوبهم ، وخور نفوسهم ، وعدم اهتمامهم بأمر الله ورسوله.
[٢٢] (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) شديدي القوة والشجاعة ، أي : فهذا من الموانع لنا من دخولها. (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ). وهذا من الجبن وقلة اليقين. وإلا ، فلو كان معهم رشدهم ، لعلموا أنهم كلهم من بني آدم ، وأن القوي ، من أعانه الله بقوة من عنده ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله. ولعلموا أنهم سينصرون عليهم ، إذ وعدهم الله بذلك ، وعدا خاصا.
[٢٣] (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) الله تعالى ، مشجعين لقومهم ، منهضين لهم على قتال عدوهم ، واحتلال بلادهم. (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالتوفيق ، وكلمة الحق ، في هذا الموطن المحتاج إلى مثل كلامهم ، وأنعم عليهم بالصبر واليقين. (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) أي : ليس بينكم وبين نصركم عليهم إلا أن تجزموا عليهم ، وتدخلوا عليهم الباب ، فإذا دخلتموه عليهم ، فإنهم سينهزمون. ثم أمرهم بعدة هي أقوى العدد فقال : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فإن في التوكل على الله ـ وخصوصا في هذا الموطن ـ تيسيرا للأمر ، ونصرا على الأعداء. ودل هذا على وجوب التوكل ، وعلى أنه بحسب إيمان العبد ، يكون توكله.
[٢٤ ـ ٢٦] فلم ينجع فيهم هذا الكلام ، ولا نفع فيهم الملام ، فقالوا قول الأذلين : (يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ). فما أشنع هذا الكلام منهم ، ومواجهتهم به لنبيهم في هذا المقام الحرج الضيق ، الذي قد دعت الحاجة والضرورة فيه إلى نصرة نبيهم ، وإعزاز أنفسهم. وبهذا وأمثاله ، يظهر التفاوت بين سائر الأمم ، وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، حيث قال الصحابة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ حين شاورهم في القتال يوم «بدر» مع أنه لم يحتم عليهم : يا رسول الله ، لو خضت بنا هذا البحر ، لخضناه معك ، ولو بلغت بنا برك الغماد ، ما تخلف عنك أحد. ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى : اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ). ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، من بين يديك ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن يسارك. فلما رأى موسى عليهالسلام ، عتوهم عليه (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) أي : فلا يدان لنا بقتالهم ، ولست بجبار على هؤلاء. (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي : احكم بيننا وبينهم ، بأن تنزل فيهم من العقوبة ، ما اقتضته حكمتك. ودل ذلك ، على أن قولهم وفعلهم ، من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق. (قالَ) الله مجيبا لدعوة موسى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : إن من عقوبتهم ، أن نحرم عليهم دخول هذه القرية التي