وإثمهم ، إن لم يقوموا به. ثم ذكر أنهم ما قاموا به ، وذكر ما عاقبهم به فقال : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : عهدهم المؤكد الغليظ. (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) أي : رئيسا وعريفا على من تحته ، ليكون ناظرا عليهم ، حاثا لهم على القيام بما أمروا به ، مطالبا يدعوهم. (وَقالَ اللهُ) للنقباء الذين تحملوا من الأعباء ما تحملوا : (إِنِّي مَعَكُمْ) أي : بالعون والنصر ، فإن المعونة ، بقدر المئونة. ثم ذكر ما واثقهم عليه فقال : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) ظاهرا ، وباطنا ، بالإتيان بما يلزم وينبغي فيها ، والمداومة على ذلك. (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) لمستحقيها (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) جميعهم ، الذين أفضلهم وأكملهم ، محمد صلىاللهعليهوسلم. (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي : عظمتموهم ، وأديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة. (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) وهو الصدقة والإحسان ، الصادر عن الصدق والإخلاص ، وطيب المكسب. فإذا قمتم بذلك (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم ، واندفاع المكروه بتكفير السيئات ، ودفع ما يترتب عليها من العقوبات. (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) العهد والميثاق المؤكد بالإيمان ، والالتزامات المقرونة بالترغيب بذكر ثوابه. (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي : عن عمد وعلم ، فيستحق ما يستحقه الضالون ، من حرمان الثواب ، وحصول العقاب. فكأنه قيل : ليت شعري ، ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه ، أم نكثوا؟
[١٣] فبيّن أنهم نقضوا ذلك فقال : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) أي : بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات : الأولى : أن (لَعَنَّاهُمْ) أي : طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا ، حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة ، ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم ، الذي هو سببها الأعظم. الثانية : قوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) أي : غليظة لا تجدي فيها المواعظ ، ولا تنفعها الآيات والنذر ، فلا يرغبهم تشويق. ولا يزعجهم تخويف. وهذا من أعظم العقوبات على العبد ، أن يكون قلبه بهذه الصفة ، التي لا يفيده معها ، الهدى ، والخير إلا شرا. الثالثة : أنهم (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي : ابتلوا بالتغيير والتبديل ، فيجعلون الكلام الذي أراد الله له معنى ، غير ما أراد الله ، ولا رسوله. الرابعة : أنهم (نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). فإنهم ذكروا بالتوراة ، وبما أنزل الله على موسى ، فنسوا حظا منه. وهذا شامل ، لنسيان علمه ، وأنهم نسوه ، وضاع عنهم ، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه ، عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل ، الذي هو الترك ، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به. ويستدل بهذا على أهل الكتاب ، بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم ، أو وقع في زمانهم ، أنه مما نسوه. الخامسة : الخيانة المستمرة التي (لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي : خيانتهم لله ، ولعباده المؤمنين. ومن أعظم الخيانة منهم ، كتمهم الحق ، عن من يعظهم ، ويحسن فيهم الظن ، وإبقاؤهم على كفرهم ، فهذه خيانة عظيمة. وهذه الخصال الذميمة ، حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم. فكل من لم يقم بما أمر الله به ، وأخذ به عليه الالتزام ، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب ، والابتلاء بتحريف الكلم ، وأنه لا يوفق للصواب ونسيان حظ مما ذكر به. وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة. نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظا ، لأنه هو أعظم الحظوظ ، وما عداه فإنما هي حظوظ دنيوية. كما قال تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). وقال في الحظ النافع : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥). وقوله : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) أي : فإنهم وفوا بما عاهدوا الله عليهم فوفقهم ، وهداهم للصراط المستقيم. (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) أي : لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الأذى ، الذي يقتضي أن يعفى عنهم. واصفح ، فإن ذلك من الإحسان (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) والإحسان : هو أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك. وفي حق المخلوقين : بذل النفع الديني والدنيوي لهم.
[١٤] أي : وكما أخذنا من اليهود العهد والميثاق ، فكذلك أخذنا (مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) لعيسى ابن مريم ، وزكوا أنفسهم بالإيمان بالله ، ورسله ، وما جاؤوا به ، ونقضوا العهد. (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)