من الأفكار ، والأسرار ، والخواطر. فاحذروا أن يطلع ، من قلوبكم ، على أمر لا يرضاه ، أو يصدر منكم ما يكرهه ، واعمروا قلوبكم ، بمعرفته ، ومحبته ، والنصح لعباده. فإنكم ـ إن كنتم كذلك ـ غفر لكم السيئات ، وضاعف لكم الحسنات ، لعلمه بصلاح قلوبكم.
[٨] أي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بما أمروا بالإيمان به ، قوموا بلازم إيمانكم ، بأن تكونوا (قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) ، بأن تنشط للقيام بالقسط ، حركاتكم الظاهرة والباطنة. وأن يكون ذلك القيام ، لله وحده ، لا لغرض من الأغراض الدنيوية. وأن تكونوا قاصدين للقسط ، الذي هو العدل ، لا الإفراط ولا التفريط ، في أقوالكم ولا في أفعالكم. وقوموا بذلك ، على القريب ، والبعيد ، والصديق والعدو. (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي : لا يحملنكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) أي : بغضهم. (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط. بل كما تشهدون لوليكم ، فاشهدوا عليه ، وكما تشهدون على عدوكم ، فاشهدوا له ، فلو كان كافرا أو مبتدعا. فإنه يجب العدل فيه ، وقبول ما يأتي به من الحق ، لا لأنه قاله. ولا يرد الحق لأجل قوله ، فإن هذا ظلم للحق. (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي : كلما حرصتم على العدل ، واجتهدتم في العمل به ، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم ، فإن تم العدل ، كملت التقوى. (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فمجازيكم بأعمالكم ، خيرها ، وشرها ، صغيرها ، وكبيرها ، جزاء عاجلا ، وآجلا.
[٩] أي : (وَعَدَ اللهُ) الذي لا يخلف الميعاد ، وهو أصدق القائلين ـ المؤمنين به ، وبكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من واجبات ، ومستحبات ـ بالمغفرة لذنوبهم ، بالعفو عنها ، وعن عواقبها ، وبالأجر العظيم الذي لا يعلم عظمه إلا الله تعالى. (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧).
[١٠] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الدالة على الحق المبين ، فكذبوا بها ، بعد ما أبانت الحقائق. (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) الملازمون لها ، ملازمة الصاحب لصاحبه.
[١١] يذكّر تعالى عباده المؤمنين ، بنعمه العظيمة ، ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان. وأنهم ـ كما أنهم يعدون قتلهم لأعدائهم ، وأخذ أموالهم وبلادهم وسبيهم نعمة ـ فليعدوا أيضا ، إنعامه عليهم ، بكف أيديهم عنهم ، ورد كيدهم في نحورهم ، نعمة. فإن الأعداء ، قد هموا بأمر ، وظنوا أنهم قادرون عليه. فإذا لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم ، فهو نصر من الله ، لعباده المؤمنين ينبغي لهم أن يشكروا الله على ذلك ، ويعبدوه ويذكروه. وهذا يشمل كل من هم بالمؤمنين بشر ، من كافر ، ومنافق ، وباغ ، كف الله شره عن المسلمين ، فإنه داخل في هذه الآية. ثم أمرهم بما يستعينون به على الانتصار على عدوهم ، وعلى جميع أمورهم فقال : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي : يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية ، ويتبرأوا من حولهم وقوتهم ، ويثقوا بالله تعالى ، في حصول ما يحبون. وعلى حسب إيمان العبد ، يكون توكله ، وهو من واجبات القلب المتفق عليها.
[١٢] يخبر تعالى أنه أخذ على بني إسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد. وذكر صفة الميثاق وأجرهم ، إن قاموا به ،