وقيل كما عن
الأشاعرة : إنه من باب جري العادة ، فلا يمنع عقلا أن يتخلف العلم بالنتيجة عن
العلم بالمقدمتين ، ولا استلزام بينهما ، إلا أن عادة الله تعالى جرى بإيجاد العلم
بها بعد العلم بهما ، لأنه لا مؤثر عندهم في الوجود سوى الله تعالى. فلم يفرقوا
بين البرهان والأمارة في جواز التخلف عقلا ، إلا أنهم يقولون بالامتناع العادي في
الأول دون الثاني.
ويؤيد القول
الثالث ما ورد : من أن العلم ليس بكثرة التعلم بل هو نور يقذفه الله في قلب من
يشاء. ومن هنا يظهر وجه اعتبار قيد الاستلزام وعدمه في التعريف ، فتبصر.
ثم لا خلاف في
أن اختلاف القوم في «التفصيلية» وصفا للأدلة ، إنما هو خلاف في أنه قيد احترازي أو
توضيحي ، فذهب الأكثر ـ على ما حكي عنهم ـ إلى الأول وإلا مخرج لعلم المقلد
بالأحكام لكونه حاصلا من دليل إجمالي مطرد في جميع مسائله ، وهو قوله : كلما أفتى
به المفتي فهو حكم الله في حقي.
وذهب المحقق
القمي قدسسره ـ بعد النقض عليهم بوجود مثله للمجتهد وهو قوله : كلما أدى إليه ظني فهو
حكم الله في حقي وحق مقلدي ـ إلى الثاني ، وأن علم المقلد يخرج بنفس الإضافة ، أي
إضافة الأدلة إلى الأحكام المراد بها هي الأدلة المعهودة المستفادة من الإضافة.
لكن الصواب هو
الأول ، لأنه مضافا إلى الفرق بين الإجمالين ، إذ التفصيل ملحوظ في علم المجتهد
دون علم المقلد ، لأن قوله «هذا ما أدى إليه ظني» ناظر إلى تفاصيل الأدلة ووجوه
الدلالة وجهات الترجيح في كل مسألة مسألة ، وإن عبر عنها بتلك العبارة الإجمالية ،
فإنها إجمال في الصورة وتفصيل في الحقيقة. بخلاف علم المقلد ، فإنه ناش عن دليل
إجمالي محض غير ملحوظ