ويقول القاضي عياض عن حجّة مالك في عمل أهل المدينة : ان القرآن المشتمل على الشرائع ، وفقد الاسلام أنزل بها ، وأهلها هم أول من وجّه اليهم التكليف ، ومن خوطبوا بالامر والنهي ، وأجابوا داعي الله فيما أمر ، وأقاموا عمود الدين ، ثم قام فيهم من بعد النبي أتبع الناس له من أمّته : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، فنفذوا سُنّته بعد تحرّيها والبحث عنها مع حداثة العهد ، ثم كان التابعون من بعدهم ، يسلكون تلك السبل ، ويتبعون تلك السُنّة (١).
فالمدينة لهذا قد ورثت علم السُنّة ، وفقه الاسلام ، في عهد تابعي التابعين ، وهو العهد الذي رآها فيه مالك ، فاذا كان الأمر بها ظاهراً معمولاً به ، لم يجز لأحد خلافه ، للوراثة التي آلت اليهم ، ولا يجوز لأحد انتحالها لبعده ، ولا ادعاؤها له (٢).
مالك وتأليف الموطأ
بتوصية من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ، ألّف الامام مالك في أواخر عهد المنصور (١٤٨ هـ) كتاب الموطأ الذي يعدّه أهل السُنّة ، وبالذات أتباع المذهب المالكي بأنه ما عل ظهر الارض كتاب هو أقرب الى القرآن من الموطأ ، وما بعد كتاب الله أنفع منه وأطلق جماعة على الموطأ اسم الصحيح (٣).
ويُقال ان أعظم ما خدم به مالك السُنّة والآثار ، كتابه القيم الفريد ، الذائع الصيت : الموطأ ، وقد لبث في تأليفه وتهذيبه نحو أربعين سنة ، جمع فيه الحديث
__________________
(١) المذاهب الفقهية : ٦٦.
(٢) المذاهب الفقهية : ٦٦.
(٣) انظر : المذاهب الفقهية : ٦١ ـ ٦٢.