لأن الحلف يكون بين الغرماء للتعاضد والتناصر ، وهذا المعنى موجود فيه ، ولا على الجار ، ولا على السيد المُطاع ، لأنه كان مطيعاً له يقيه بنفسه ، ويجاهد بين يديه ، والمراد من الحديث ، الطاعة المحضة المخصوصة ، فتعيّن الوجه العاشر وهو الأولى ، ومعناه من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به ، وقد صرح بهذا المعنى ، الحافظ أبو الفرج يحيى بن السعيد الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين ، فإنه روى هذا الحديث باسناده إلى مشايخه ، وقال فيه : فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد علي فقال : من كنت وليه وأولى به من نفسه ، فعلي وليه ، فعلم ان جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر ، ودلّ عليه أيضاً قوله : ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته ، وكذا قوله صلىاللهعليهوآله : وأدر الحق معه حيث دار وكيف دار ، فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين عليّ وأحد من الصحابة إلا والحق مع عليّ ، وهذا إجماع الأمّة ، ألا نرى أن العلماء إنما استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين.
ويقول محمد بن طلحة الشافعي : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه ...» في حجة الوداع ، في غدير ، فسمي ذلك اليوم غدير خم ، وصار ذلك اليوم عيداً وموسماً لكونه وقتاً خصّ فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله علياً بهذه المنزلة العلية ، شرّفه فيها دون الناس كلهم (١).
ونقل الواحدي في كتابه (أسباب النزول) عن أبي سعيد الخدري انه قال : نزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (٢) يوم غدير خم في علي ... فقوله صلىاللهعليهوآله : من كنت مولاه
__________________
(١) مطالب السؤول ـ محمد بن طلحة الشافعي : ٩٤.
(٢) المائدة ٦٧.