وذلك في قوله تعالى : مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ (١) (٢).
أما قوله تعالى : النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ (٣) فيتفقون أيضاً على أنه الأوْلى من النفس في الأمور كلها ، لأن رسول الله لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس ، فيجب على المسلمين أن يكون النبي أحب إليهم من أنفسهم ، وأمره أنفذ عليهم من أمرها ، والنبي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، فعليهم أن يبذلوها دونه ، ويجعلوها فداءه ، وهو دليل على ان من لم يكن الرسول أولى به من نفس فليس من المؤمنين ، وهذه الاولوية تتضمن أن يكون النبي أحب إلى العبد من نفسه ، ويلزم من هذه الاولوية والمحبة ، كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم لأمره ، وايثاره على ما سواه ، وأن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً ، بل الحكم على نفسه للرسول ، فليس له في نفسه تصرف قطِ الا ما تصرّف فيه الرسول صلىاللهعليهوآله الذي من حقوقها ، وأن يبذل المسلمون نفوسهم دون نفس النبي صلىاللهعليهوآله إذا اعضل خطب ، ووقاءه إذا لقحت حرب ، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم عنه ، لأن كل ما دعاهم إليه ، فهو إرشاد لهم إلى نيل النجاة والظفر بسعادة الدارين ، وما صرفه عنه لئلا يتهافتوا فيما يرمي بهم إلى الشقاوة وعذاب النار ، فالنفس أمّارة بالسوء ، فقد تجهل بعض المصالح وتخفى عليها بعض المنافع ، ولذلك فنفس الرسول أولى بهم من كل الناس ،
__________________
(١) الحديد ١٥.
(٢) تفسير البغوي ٤ : ٢٩٧ ؛ تفسير الرازي ٢٩ : ٢٧٧ ؛ تفسير البيضاوي ٥ : ١٨٧.
(٣) الأحزاب ٦.