جعلني الله فِداك ، ان الحسن البصري يخبرنا أن هذه الآية نزلت بسبب رجل ، ولا يخبرنا مَنْ الرجل : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... (١) ، فقال : لو أراد أن يخبر به لأخبر به ، ولكنه يخاف ، إن جبرئيل هبط على النبي صلىاللهعليهوآله فقال له : ان الله يأمرك أن تدلّ أمّتك على صلاتهم ، فدلهم عليها ، ثم هبط على النبي صلىاللهعليهوآله ليأمره أن يدلّ الأمّة على الزكاة ... ثم الصيام ... ثم الحج .. ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدلّ على وليهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم ، ليلزمهم الحجة في جميع ذلك ، فقال رسول الله : يا رب ، إن قومي قريبو عهد بالجاهلية ، وفيهم تنافس وفخر ، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم ، واني أخاف ، فأنزل الله تعالى : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... (٢) فلما ضمن الله له العصمة وخوّفه ، أخذ بيد عليّ ثم قال : يا أيها الناس من كنت مولاه ... إلى وابغض من بغضه (٣).
وهذا النموذج وحده يكفي للتدليل على مدى الخوف من الإفصاح عن اسم عليّ في هذه الواقعة والآية التي نزلت بحقه ، إلا بعض الصحابة والتابعين الذين كانت لديهم جرأة في تبيان حقيقة واقعة الغدير وما اختصت به من ولاية عليّ على الأمّة جمعاء. وهؤلاء الصحابة الذين أفصحوا بهذه الحقيقة الخافية ، إنما جهروا بها في عهد خلافة عليّ بن ابي طالب ، حيث لا يهابون سلطان او حاكم مستبد.
بلى ، ان علياً أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم كما ان رسول الله أولى بهم من أنفسهم ، ويتفق علماء ومفسرو القرآن من أهل السُنّة والجماعة على أن المولى معناه الأولى بكم ،
__________________
(١) المائدة ٦٧.
(٢) المائدة ٦٧.
(٣) شواهد التنزيل ـ الحاكم الحسكاني ١ : ٢٥٥.