لثقته بهم. وعليه فمن الخطأ الوثوق بالحديث المُرسل واعتماده في الفتوى.
ثم ان الحنفيين يثقون بالصحابي الراوي الى درجة ، يعتبرون فعله المخالف للقرآن ، تخصيصاً لعام القرآن ، لأن الصحابي لا يفعل فعلاً مخالفاً للقرآن الكريم بحكم حصانته الذاتية التي تمنعه من ارتكاب الافعال القبيحة أو المخالفة للنصوص القرآنية (١) ولذلك فقد توقّف أبو حنيفة في تحريم بعض المشروبات الكحولية لأنه ثبت ان بعض الصحابة كانوا يعاقرونها ، ولما تيقّن هو بأن القرآن الكريم قد حرّمها ، وحفاظاً على كرامة الصحابة ، امتنع عن تحريمها لكنه لا يحلّلها في الوقت نفسه ، مع ان الكثير من الصحابة قد ارتكبوا خطايا أكثر من شرب الخمر ، كقتل النفس المؤمنة المحترمة ، أو ممارسة خطيئة الزنا أو سرقة بيت المال ، أو التجسّس لصالح المشركين ، بل ان بعض الصحابة أو الكثير منهم ، قد فرّوا من الزحف في الحروب ، مع ان القرآن قد لعنهم ، وغير ذلك من الافعال المُشينة التي كان يمارسها الصحابة ، ويأتي القرآن أو النبي صلىاللهعليهوآله ليفضحهم ويشهّر بهم.
فإذن الادعاء بأن مذهب الصحابي على خلاف العموم ، مخصص له ، لكونهم يفترضون ان الصحابي ما كان ليذهب الى خلاف عموم دليل يعرفه إلا إذا كان يعلم عن رسول الله ما يخصّ ذلك العالم ، أو انهم يردّون الرواية اذا عمل الراوي (الصحابي) بخلافها لأنه لفرط الثقة فيه ، لا يظن به أن يعمل بخلاف ما رواه ، إلا أن يثبت عنده نسخه (٢) هذا الاستنتاج مغلوط وغير علمي ولا منطقي ويتعارض مع التأكيدات القرآنية والنبوية وسيرة الصحابة بأي حال من الاحوال.
__________________
(١) أدب الاختلاف : ٩٤ ـ ٩٥.
(٢) المذاهب الفقهية : ٤٢ ؛ أدب الاختلاف : ٩٤.