النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واحدة.
ومعنى ذلك : أنّ الثلاث بلفظ واحد ـ من غير مراجعة بينهن ـ تكون الواحدة منهن للعدّة ، دون مجموع الثلاث.
فتلاوة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للآية تلميح إلى عدم وقوع الثلاث جميعا للعدّة سوى واحدة ، ومن ثم كانت رجعية وليست بائنة.
ومن غريب الأمر أن جمهور الفقهاء ، مع علمهم بأن الثلاث بلفظ واحد مخالف للكتاب والسنّة. أمّا الكتاب فلما عرفت ، وأمّا السنّة فلما رواه مسلم في الصحيح بإسناده إلى ابن عباس ، قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم : فأمضاه عليهم (١).
نرى الفقهاء مع علمهم بذلك ، فإنهم تبعوا سنّة عمر ، وتركوا صريح الكتاب وسنّة الرسول والصحابة المرضيّين.
يقول الجزيري : إنّ الأئمّة سلموا جميعا بأن الحال في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان كذلك ، ولم يطعن أحد منهم في حديث مسلم. وكل ما احتجّوا به : أنّ عمل عمر وموافقة الأكثرين له مبنيّ على أن الحكم كان مؤقّتا ، فنسخه عمر بحديث لم يذكره لنا ، والدليل على ذلك الإجماع. قال : ولكن الواقع أنه لم يوجد إجماع ، فقد خالفهم كثير من المسلمين. وممّا لا شكّ فيه أنّ ابن عباس من المجتهدين المعوّل عليهم في الدّين ، فتقليده جائز ، ولا يجب تقليد عمر فيما رآه ... قال : ولعلّه كان
__________________
(١) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٨٣.