إلى مصدر الوحي الأمين ، الأمر الذي يجعل الفرق واضحا بين من كان شأنهم هذا ، وبين من كان مستقى علمه بعيد المنال ، ينتهي إليه بوسائط كثيرة ، وفي جهد بليغ. كما هي حالتنا الحاضرة بالنسبة إلى حالة التابعين ، وهم على مشارف المنابع الأولى يستقون منها بالمباشرة ، وعن متناول قريب.
وعلى أيّ حال ، فإن اجتهاد من كانت المنابع في متناوله القريب ، أصوب وأسدّ وأبين طريقا ، ممن كان على مراحل من منابع الاجتهاد. ولا أقل من كون اجتهاد السابقين دلائل تنير الدرب لاجتهاد اللاحقين ، الأمر الذي لا ينبغي إنكاره.
ميزات تفسير التّابعي
يمتاز التفسير في عهد التابعين بمميّزات ، تفصلها عن تفاسير الصحابة من وجوه :
أولا : التوسّع فيه. فقد تعرّض التابعون لمختلف أبعاد التفسير ، وخاضوا معاني القرآن ، من مختلف الجهات والمناحي. بينما كان تفسير الصحابة مقتصرا على جوانب محدودة من اللغة ، وشأن النزول ، وبعض المفاهيم الشرعية ؛ لرفع ما أبهم على الناس من هذه الجهات فحسب. فقد خطا تفسير التابعي خطوات أوسع ، وفي جوانب أكثر.
ومن ثم فإن التفسير في هذا العهد يشمل جوانب الأدب واللغة في أبعاد مترامية ، وهكذا التاريخ لأمم سالفة ، وأمم معاصرة مجاورة لجزيرة العرب ، تاريخ حياتهم وبلادهم ، على ما وصلت إليهم من أخبارهم ، وحتى بعض لغاتهم وثقافاتهم ، ممّا يمسّ جانب القرآن. وهكذا دخل في التفسير بحوث كلاميّة نشأت ذلك العهد ، وارتبطت مع كثير من آي القرآن بعض الربط ، كآيات الصفات والمبدأ والمعاد ، وما شابه.