صلاحية المفسّر
قال الراغب : اختلف الناس في تفسير القرآن ، هل يجوز لكلّ ذي علم الخوض فيه؟ فبعض تشدّد في ذلك ، وقال : لا يجوز لأحد تفسير شيء من القرآن ، وإن كان عالما أديبا ، متّسعا في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار. وإنما له أن ينتهي إلى ما روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابة ، والذين أخذوا عنهم من التابعين. واحتجّوا في ذلك بما روي عنه عليهالسلام : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» ، وقوله : «من فسّر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». وفي خبر : «من قال في القرآن برأيه فقد كفر».
قال : وذكر آخرون أن من كان ذا أدب وسيع ، فموسّع له أن يفسّره ، فالعقلاء الأدباء فوضى فضا في معرفة الأغراض. واحتجوا في ذلك بقوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١).
وذكر بعض المحققين أنّ المذهبين هما : الغلوّ والتقصير ، فمن اقتصر على المنقول إليه فقد ترك كثيرا مما يحتاج إليه ، ومن أجاز لكل أحد الخوض فيه فقد عرضه للتخليط ، ولم يعتبر حقيقة قوله تعالى : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ).
قال : والواجب أن يبيّن أوّلا ما ينطوي عليه القرآن ، وما يحتاج إليه من العلوم ، فنقول وبالله التوفيق :
إن جميع شرائط الإيمان والإسلام التي دعينا إليها واشتمل القرآن عليها ضربان : علم غايته الاعتقاد ، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وعلم غايته العمل ، وهو معرفة أحكام الدين والعمل بها.
__________________
(١) ص / ٢٩.