وهكذا ذكر في مقدمة الإتقان : أنه جعله مقدّمة للتفسير الكبير الذي شرع فيه ، وسمّاه بمجمع البحرين ومطلع البدرين ، الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية (١).
لكنه لم يذكر أنه أتمّه وأخرجه للنشر أم لا. (٢) والظاهر أنه لم يتمّه ؛ إذ لا أثر له إطلاقا. نعم أخرج كتابه «الدر المنثور في التفسير بالمأثور» حافلا بأقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم ، مستوعبا ومستقصيا كل ما ورد بذلك من نقول وروايات ؛ وبذلك كان أجمع كتاب في هذا الباب (التفسير النقلي) وليس فيه شيء من تقرير الدراية أصلا ، وقد أصبح بذلك مخزنا كبيرا يجمع في طيّه من كل رطب ويابس ، والاعتبار فيها إنما هو بذكر السند ، وهو المعيار لتمييز الصحيح عن السقيم عند العلماء.
وقال أحمد بن عبد الحليم : إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنّة ، ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من الأئمّة في ذلك إلى أقوال التابعين :
كمجاهد بن جبر ، فإنه كان آية في التفسير ، كما قال محمد بن إسحاق : حدّثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها. وقال : ما في القرآن آية إلّا وقد سمعت فيها شيئا. وعن ابن أبي مليكة قال : رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه ، فيقول له ابن عباس : اكتب ، حتى سأله عن التفسير كلّه ؛ ولهذا كان سفيان الثوري يقول : إذا جاءك التفسير عن مجاهد
__________________
(١) الإتقان ، ج ١ ، ص ١٤.
(٢) كشف الظنون لحاجي خليفة ، ج ٢ ، ص ١٥٩٩.