وأمّا رجوعها إلى دعوى إثباتية ، فبيانها أن يقال : بأنّنا لا ندرك شيئا واقعيا في الخارج وراء المصالح والمفاسد في الأفعال وإنّما الشيء الّذي نلاحظه هو حكم العقلاء ، مدحهم وذمّهم تبعا للمفسدة والمصلحة ، إذن ، فالعقلاء يصدرون أحكاما على أساس إدراك المصالح والمفاسد ، وعليه فالحسن والقبح حكم من قبل العقلاء ثابت في المصالح والمفاسد في الخارج.
وكأنّ السيّد الخوئي «قده» أراد أن يشكل على هذا المطلب ، ويبرهن على واقعية الحسن والقبح ، فقال : بأنّ «الحسن والقبح» ، لو كانا حكمين مجعولين من قبل العقلاء ، إذن فما هو شأن العاقل الأول الّذي وجد قبل وجود العقلاء الكثيرين ، حيث أنّنا نسأل : هل انّ هذا العاقل الأول كان له حسن وقبح أم لا؟ فإن قلتم بأنّه كان له ، سألناكم حينئذ ، كيف تفسّرون هذا الحسن والقبح؟ فهل هو بمعنى إصدار الحكم من قبل العقلاء أم كيف؟ فإنّ هذا لا معنى له في شخص واحد ، لأنّه أين الحاكم والمحكوم عليه ، مع أنّه يوجد حسن وقبح ، إذن فهذا يثبت أنّهما أمران واقعيان لا جعليين ، وإلّا فلا بدّ أن يقال بعدم قبح الظلم وحسن العدل في حقّ هذا العاقل الأول ، مع انّ هذا خلاف الوجدان.
وهذا الكلام كأنّه ينبغي إرجاعه إلى التكذيب الوجداني لهذه الدعوى الإثباتية ، وذلك بأن يقال : بالعبارة المطمئنة ، إنّه بالوجدان ندرك أنّ من وراء ما نواجه من جعول وإنشاءات ومواقف العقلاء ، انّ هناك شيء ثابت فوقنا وقضايا واقعية نشعر بها ويدركها العقل العملي عن طريق مجرد الإدراك ، وهذا الشيء وهذه القضايا هي «الحسن والقبح» ، وهذه دعوى وجدانية صحيحة ، وبذلك تكون تكذيبا وجدانيا للبرهان المذكور.
أمّا لو تجاوزنا هذه الدعوى الوجدانية ، وأردنا إقامة البرهان على