بداهة تفصيلية ، ولا بداهة إجمالية ، ولا مستنبطة بقانون العلية ، ولا أنّه ليس لدينا معرفة موزونة بالواقع الموضوعي الخارجي للمحسوسات.
وإنّما الصحيح بناء على ما اكتشفناه من الأسس المنطقية للاستقراء هو ، معرفتنا بالواقع الموضوعي للمدركات الحسيّة جملة وتفصيلا قائمة على أساس حساب الاحتمالات ، غاية الأمر انّ هذا الحساب يشتغل بالفطرة عند الإنسان ، وبعقل رزقه الله تعالى ، سمّيناه بالعقل الثالث ، في قبال العقلين الأول والثاني آنفي الذّكر.
ونحن حينما نقارن إحساساتنا في عالم اليقظة بإحساساتنا في عالم الرؤيا ، ندرك بأنّ إحساساتنا في عالم الرؤيا ليس لها مطابق واقعي إلّا أوهام شيخ الإشراق ، وهذا بخلاف الإحساسات في عالم اليقظة ، فإنّا ندرك بأنّ لها واقع موضوعي ، مع أنّه إذا لوحظت هذه الإحساسات بكل منها نجد أنّه لا فرق بين هذه الصورة وتلك من حيث وضوح الصورة ، لأنّ الإحساس بكل منها وجداني لا يفرق بينها.
نعم هناك فرق بينهما ، هو ، أنّ المحسوس في عالم اليقظة بما أنّه يدرك مرّات عديدة وفي أزمان مختلفة حيث يشكل هذا التكرار قرائن احتمالية تتجمع بحساب الاحتمال على المدركات الحسيّة للتغطية على ثبوت صورتها لواقعها الموضوعي ، إذ أنّ تكرر صورتها بشكل ثابت ومستمر على نهج واحد مدّة طويلة ، يقتضي بحساب الاحتمالات انّ هذه الصورة ليست مخلوقة لي ، بل توجب بحساب الاحتمال ثبوت حقيقة موضوعية للمدرك خارجا بعيدا عن الخيال والوهم ومع قطع النظر عن تصوّر المدرك.
وهذا بخلاف المدرك المحسوس في عالم المنام ، حيث أنّ الصورة فيه سريعة التقلّب والتغيّر ، ممّا لا يحصل بحساب الاحتمال ما يوجب ثبوت حقيقة موضوعية له.