هذا الاحتمال أكثر لو أعطينا شخصا ثالثا قرصا من الأسبرين ، حيث يضعف احتمال كون حادثة أخرى اقترنت صدفة مع الأسبرين ، وهكذا يضعف أكثر لو أعطينا قرص الأسبرين شخصا رابعا وشفي ، إلى أن يصبح احتمال استناد الشفاء لأمر آخر غير قرص الأسبرين ضعيف جدا بحيث لا يؤثر على احتمال استناد الشفاء إلى قرص الأسبرين الّذي أعطيناه للمريض ، لأنّه لو لم يكن الأسبرين هو سبب شفائه لكان معناه اجتماع ثلاث أو أربع صدف وهذا بحسب حساب الاحتمالات ضعيف ، فإنّه كلّما تكاثرت التجربة وكانت النتيجة واحدة ضعف احتمال الصدفة ، لأنّ ضرب مجموع الاحتمالات ببعضها يضعفها ، إذن ، فقضية «انّ الاتفاق لا يكون دائميا ليست قضية قبلية بديهية ، بل هي قضية بنفسها استقرائية ثبتت بحساب الاحتمالات ، وبهذا يثبت أنّ المتواترات والتجريبيات ، والحدسيات ، ليست قضايا ضرورية بديهية كما انّها ليست مضمونة الحقّانيّة ، وإن كانت قضايا قطعية بالقطع الأصولي ، لكنّها ليست كذلك منطقيا ، لقيامها على أساس حساب الاحتمال ، بل هذا المطلب قلناه بعينه في المحسوسات أيضا ، كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
والخلاصة هي أنّ الكلام في تحقيق الصورة الّتي ذكروها يقع في مقامين وكان الكلام في المقام الأول حول تحقيق حال العقل الأول ، حيث يقولون أنّه عبارة عن المعرفة الأولى الّتي تشكّل الأساس في المعرفة البشرية ، وانّ هذه المعرفة تتكوّن من ستّ قضايا كلها أوليّة ، وقد قبلنا اثنتين منها انّها كذلك ، وهما : الأوليات ، والفطريات ، وأمّا الأربعة الباقية منها ، وهي التجريبيات ، والحدسيات ، والمتواترة ، والمحسوسات ، فلم نقبل بأوّليتها ، وقد ذكرنا انّها قائمة على أساس قاعدة ، وهي «انّ الصدفة والاتفاق لا يتكرر» ، وهذه القاعدة بنفسها قائمة على حساب الاحتمالات.