وتحقيق الكلام في ذلك ، يستوجب التكلم في عدّة أمور.
الأمر الأول : في أنّه كيف نتصور مانعية وجوب الموافقة الالتزامية عن إجراء الأصول العملية؟.
وهنا يمكن تصوير هذه المانعية ببيانات ثلاث.
١ ـ البيان الأول : هو أنّه إذا وجب الالتزام بالحكم الواقعي المعلوم إجمالا ، فإنّه يستحيل حينئذ جريان الأصول والالتزام بها ، لأنّه لو جاز الالتزام بجريانها أيضا للزم الالتزام بالمتنافيين ، وهذا يستحيل صدوره من عاقل ، إذ كيف نلتزم بطهارة أحد الإناءين مع الالتزام فعلا بنجاسة كل منهما بالاستصحاب ، إذن فالالتزام بهذين الأمرين معا التزام بالمتنافيين ، وهو مستحيل.
وهذا التقريب واضح البطلان ، لأنّ المفروض في المقام أنّ متعلّق أحد الالتزامين حكم واقعي ، ومتعلّق الآخر حكم ظاهري ، والمفروض انّنا جمعنا بين الأحكام الواقعية والأحكام الظاهرية ولم نفترض تضادا وتنافيا بين الإباحة الواقعية والحرمة الظاهرية ، وحينئذ لا يكون الالتزام بهما معا التزاما بالمتنافيين.
وعليه : لا يكون هذا برهانا على استحالة جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي بناء على وجوب الموافقة الالتزامية.
٢ ـ البيان الثاني : هو أنّ نفس الالتزام بالحكم الواقعي المعلوم إجمالا ، مناف لجريان الأصول ، وإن لم يكن التزاما بالمنافي ، لأنّه لا منافاة بين الحكم الواقعي والظاهري ، لكن نفس الالتزام منافي ، لأنّ الالتزام الجدي بإباحة شيء شرعا وواقعا لا يلائم مع الالتزام بحرمته استصحابا وظاهرا ، إذ الالتزام الجدي بإباحته يستدعي ترتب الأثر عليها ، إذن فنفس الالتزام بالإباحة الواقعية ينافي جريان الاستصحاب ،