ورابعها : أن تكون الهاءان جميعا يرجعان إلى الكفّار لا إلى الرسل ؛ فيكون المعنى أنّهم إذا سمعوا وعظهم وإنذارهم وضعوا أيدي أنفسهم على أفواههم ؛ مشيرين إليهم بذلك إلى الكفّ عن الكلام والإمساك عنه ؛ كما يفعل من يريد منّا أن يسكت غيره ، ومنعه عن الكلام ، من وضع إصبعه على في نفسه.
وخامسها : أن يكون المعنى : فردّوا القول بأيدي أنفسهم إلى أفواه الرّسل ، أي أنّهم كذّبوهم ، ولم يصغوا إلى أقوالهم ، فالهاء الأولى للقوم ، والثانية للرسل ؛ والأيدي إنّما ذكرت مثلا وتأكيدا ؛ كما يقول القائل : أهلك فلان نفسه بيده ، أي وقع الهلاك به من جهته ، لا من جهة غيره.
وسادسها : أنّ المراد بالأيدي النعم و «في» محمولة على الباء ، والهاء الثانية للقوم المكذّبين والتي قبلها للرّسل ، والتقدير : فردّوا بأفواههم نعم الرّسل ؛ أي ردّوا وعظهم وإنذارهم وتنبيههم على مصالحهم الذي لو قبلوه لكان نعما عليهم.
ويجوز أيضا أن تكون الهاء التي في الأيدي للقوم الكفّار ، لأنّها نعم من الله تعالى عليهم ، فيجوز إضافتها إليهم وحمل لفظة «في» على معنى الباء جائز لقيام بعض الصّفات مقام بعض ؛ يقولون : رضيت عنك ، ورضيت عليك وحكي في لغة طيء : أدخلك الله بالجنة ، يريدون في الجنة ، فيعبّرون بالباء عن معنى «في» كذلك أيضا يصحّ أن يعبّروا بفي عن الباء ؛ قال الشاعر :
وأرغب فيها عن لقيط ورهطه |
|
ولكنّني عن سنبس لست أرغب |
أراد : وأرغب بها فحمل «في» علي الباء.
وسابعها : وهو جواب اختاره أبو مسلم بن بحر ، وزعم أنّه أولى من غيره ـ قال : المضمرون في قوله : (أَيْدِيَهُمْ) الرسل ، وكذلك المضمرون في «أفواههم» ، والمراد باليد هاهنا ما نطق به الرسل من الحجج والبيّنات التي ذكر الله تعالى أنّهم جاؤوا بها قومهم ؛ واليد في كلام العرب قد تقع على النعمة وعلى السلطان أيضا ، وعلى الملك ، وعلى العهد والعقد ؛ ولكلّ ذلك شاهد من كلامهم ؛ والذي أتى به الأنبياء قومهم هو الحجّة والسلطان ، وهو النعمة ، وهو