وقال كعب بن زهير :
زالوا فما زال انعكاس ولا كشف |
|
عند اللقاء ولا ميل معازيل |
وإنّما أراد : فما زال منهم انعكاس ولا كشف. وشواهد هذا المعنى كثيرة (١).
ـ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [ص : ٣٥].
[فإن قيل : فما معنى قول سليمان عليهالسلام في هذه الآية] أو ليس ظاهر هذا القول منه عليهالسلام يقتضي الشحّ والظنّ والمنافة لأنّه لم يقنع بمسألة الملك حتّى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه؟
الجواب : قلنا : قد ثبت أنّ الأنبياء عليهمالسلام لا يسألون إلّا ما يؤذن لهم في مسألته ، لا سيّما إذا كانت المسألة ظاهرة يعرفها قومهم. وجائز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان عليهالسلام أنّه إن سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين والاستكثار من الطاعات ، وأعلمه أنّ غيره لو سأل ذلك لم يجب إليه من حيث لا صلاح له فيه. ولو أنّ أحدنا صرّح في دعائه بهذا الشرط حتّى يقول : «اللهم اجعلني أيسر أهل زماني وارزقني مالا يساويني فيه غيري إذا علمت أنّ ذلك أصلح لي وأنّه أدعى إلى ما تريده مني» ، لكان هذا الدعاء منه حسنا جميلا ، وهو غير منسوب به إلى بخل ولا شحّ. وليس يمتنع أن يسأل النبيّ هذه المسألة من غير إذن إذا لم يكن شرط ذلك بحضرة قومه ، بعد أن يكون هذا الشرط مرادا فيها ، وإن لم يكن منطوقا به ، وعلى هذا الجواب اعتمد أبو عليّ الجبّائيّ.
ووجه آخر : وهو أن يكون عليهالسلام إنّما التمس أن يكون ملكه آية لنبوّته ليتبّين بها عن غيره ممّن ليس نبيّا ؛ وقوله : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ، أراد به لا ينبغي لأحد غيري ممّن أنا مبعوث إليه ، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيّين عليهالسلام ؛ ونظير ذلك أنّك تقول للرجل : «أنا أطيعك ثمّ لا أطيع أحدا
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٣٦.