ـ (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) [محمّد : ٣٦].
[فيها بحثان :]
[الأوّل :] وممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول : بأنّ الزكاة لا تجب إلّا في تسعة أصناف : الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم ، ولا زكاة فيما عدا ذلك. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (١) ، وحكى عن ابن أبي ليلى والثوري وابن حي أنه ليس في شيء من الزروع زكاة إلّا الحنطة والشعير والتمر والزبيب (٢) وهذه موافقة للامامية.
وأبو حنيفة وزفر يوجبان العشر في جميع ما أنبتت الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش (٣). وأبو يوسف ومحمد يقولان لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية ولا شيء في الخضروات (٤).
وقال مالك : الحبوب كلها فيها الزكاة وفي الزيتون (٥). وقال الشافعي إنما تجب فيما ييبس ويقتات ويذخر مأكولا ، ولا شيء في الزيتون (٦).
والذي يدلّ على صحّة مذهبنا ـ مضافا إلى الإجماع ـ أنّ الأصل براءة الذمة من الزكوات وإنّما يرجع إلى الأدلة الشرعية في وجوب ما يجب منها ، ولا خلاف فيما أوجبت الإمامية الزكاة فيه وما عداه فلم يقم دليل قاطع على وجوب الزكاة فيه فهو باق على الأصل وهو قوله تعالى : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) والمعنى أنّه لا يوجب حقوقا في أموالكم ؛ لأنّه تعالى لا يسئلنا أموالنا إلّا على هذا الوجه وهذا الظاهر يمنع من وجوب حقّ في الأموال فما أخرجناه منه فهو بالدليل القاطع وما عداه باق تحت الظاهر ، فإن تعلّقوا بقوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٧) وأنّه عام في جميع الزروع وغيرها ممّا ذكره في الآية ، فالجواب عنه أنّا لا نسلم أنّ قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) يتناول العشر أو نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة ، فمن ادّعى تناوله لذلك فعليه الدلالة.
وعند أصحابنا أنّ ذلك يتناول ما يعطي المسكين والفقير والمجتاز وقت
__________________
(١ و ٢) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٩ ، ٥٥٠.
(٣ و ٤) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٩ ، ٥٥٠.
(٥ و ٦) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٩ ، ٥٥٠.
(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٤١.