غير ممتنع ، وجائز أيضا أن يريد بصالح المؤمنين الجميع ، وإن كان أتى بلفظ الواحد ، غير أن العمل بالرواية يمنع من حمل الآية على الجميع.
فأمّا حكايته عن أبي هاشم قوله : إن الآية لا تليق إلّا بالجمع ؛ لأنّه تعالى بيّن لهم حال الرسول بنصرة الغير ومظاهرته ، فلا بدّ من أن يذكر الجمع فيه» فتوهم منه طريف ؛ لأن المخصوص بالذكر إذا كان أعظم شأنا في النصرة وأظهر حالا في الغناء (١) وصدق اللقاء كان تخصيصه أولى بالحال من ذكر الجميع الذين ليست لهم هذه المنزلة ، فكان ذكر الأفضل في النصرة والأشهر بها أليق بمثل هذا الكلام.
قال صاحب الكتاب : «وربّما تعلّقوا بهذه الآية من وجه آخر بأن يقولوا يدلّ على أنه الأفضل لتخصيصه بالذكر (٢) ، ولأنّه جعل صالح المؤمنين وهو بمعنى الأصلح من جماعتهم ، فإذا كان الأفضل أحق بالإمامة فيجب أن يكون إماما».
قال : ونحن نبيّن من بعد أن الأفضل ليس بأولى بالإمامة وأنه (٣) لا يمتنع العدول عنه إلى غيره ، وبعد فإن قوله : «وصالح المؤمنين» لا يدلّ على أنه أصلحهم وأفضلهم وإنما يدل على أنه صالح ، وأنه ظاهر الصلاح ، فهو بمنزلة قول القائل : «فلان شجاع القوم» إذا ظهرت شجاعته فيهم ، وإن لم يكن بأشجعهم ، فلا اللغة تقتضي ذلك ولا التعارف ، وإن كنا قد بيّنا أن تسليم ذلك لا يوجب ما قالوه ، وبيّنا أن الآية لا تدلّ على أنه المراد به دون غيره ، ولا الروايات المرويّة في ذلك متواترة فيقطع بها» (٤).
يقال له : أما التخصيص بالذكر فيفيد ما قدّمناه من التقدّم في النصرة لكلّ أحد ، ولم نرك أبطلت ذلك بشيء ، وإنما تكلّمت على الأصلح ، والظاهر من قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يقتضي كونه أصلح من جميعهم بدلالة العرف
__________________
(١) الغناء ـ بفتح ـ : إذا كان بالمعجمة فهو الدفع والمنع ، وإذا كان بالمهملة فهو التعب.
(٢) في المغني «لتخصيصه بالولي».
(٣) في المغني «مع أنّه لا يمتنع».
(٤) المغني ، ٢٠ : ١٤١.