والوجه الثاني : أنا لا نعرف من الذين عناهم بذلك من بقي إلى أيام أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما علمنا أنهم كانوا باقين إلى أيام أبي بكر [فوجب بهذا أنّ الذي دعوا هؤلاء المخالفين إلى قتال قوم أولي بأس شديد هم أبو بكر وعمر] (١).
يقال له : هذه الآية التي زعمت أن أبا علي اعتمدها ، واستدل بها ، فالغلط في تأويلها ظاهر ، وقد ضم إلى الغلط في التأويل أيضا الغلط في التاريخ. ونحن نبيّن ما في ذلك.
ولنا في الكلام على هذه الآية وجهان.
أحدهما : أن ننازع في اقتضائها داعيا يدعو هؤلاء المخلّفين غير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونبيّن أنّ الداعي لهم فيما بعد كان الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والوجه الآخر : أن نسلم أن الداعي غيره عليهالسلام ، ونبيّن أنّه لم يكن أبو بكر وعمر على ما ظن أبو علي وأصحابه ، بل كان أمير المؤمنين.
فأما الوجه الأول ، فواضح ؛ لأنّ قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢)) (٢) إنّما أراد به الذين تخلّفوا عن الحديبيّة بشهادة جميع أهل النقل وإطباق المفسّرين (٣) ثم قال تعالى : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤) وإنّما التمس هؤلاء المخلّفون أن يخرجوا إلى غنيمة
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من المغني.
(٢) سورة الفتح ، الآيتان : ١١ ، ١٢.
(٣) انظر تفسير الطبري وتفسير الرازي والكشّاف والتبيان ذيل الآية.
(٤) سورة الفتح ، الآية : ١٥.