على المذاهب الصحيحة ، إذا لم تكن مضافة إلى الطبائع ، فهو من فعل الله تعالى ، فكيف تضيف التخيّل الباطل والاعتقاد الفاسد إلى فعل الله تعالى.
فأمّا المستيقظ الّذي استشهد به ، فالكلام فيه والكلام في النائم واحد ، ولا يجوز أن نضيف التخيّل الباطل إلى فعل الله تعالى في نائم ولا يقظان.
فأمّا ما يتخيّل من الفاسد وهو غير نائم ، فلا بدّ من أن يكون ناقص العقل في الحال وفاقد التمييز بسهو وما يجري مجراه ، فيبتدأ اعتقادا لا أصل له ، كما قلناه في النائم.
فإن قيل : فما قولكم في منامات الأنبياء عليهمالسلام وما السبب في صحّتها حتّى عدّ ما يرونه في المنام مضاهيا لما يسمعونه من الوحي؟.
قلنا : الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحّتها ، ولا هي ممّا توجب العلم ، وقد يمكن أن يكون الله تعالى أعلم النبيّ بوحي يسمعه من الملك على الوجه الموجب للعلم : أنّي سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه. فيقطع على صحّته من هذا الوجه ، لا بمجرد رؤيته له في المنام.
وعلى هذا الوجه يحمل منام إبراهيم عليهالسلام في ذبح ولده (١) ، ولو لا ما أشرنا إليه كيف كان يقطع إبراهيم عليهالسلام بأنه متعبّد بذبح ولده؟.
فإن قيل : فما تأويل ما يروى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثّل بي» وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويخبر كلّ واحد منهم عنه بضدّ ما يخبر به الآخر ، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا؟.
قلنا : هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا معول على مثل ذلك ، على أنه يمكن مع تسليم صحّته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ؛ لأن الشيطان لا يتمثّل بي لليقظان.
__________________
(١) الآية الكريمة : (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) [الصافات : ١٠٢].