داود عليهالسلام عالما بجمال زوجته فمالت نفسه إلى نكاحها بعده ، فقلّ غمّه بقتله لميل طبعه إلى نكاح زوجته ، فعوتب على ذلك بنزول الملكين من حيث حمله ميل الطبع على أن قلّ غمّه بمؤمن قتل من إصحابه.
وثانيها : أنّه روى أنّ امرأة خطبها أوريا بن حنان ليتزوّجها ، وبلغ داود عليهالسلام جمالها فخطبها أيضا فزوّجها أهلها بداود وقدّموه على أوريا وغيره ، فعوتب عليهالسلام على الحرص على الدنيا ، بأنّه خطب امرأة قد خطبها غيره حتّى قدّم عليه.
وثالثها : أنّه روي أنّ امرأة تقدّمت مع زوجها إليه في مخاصمة بينهما من غير محاكمة لكن على سبيل الوساطة ، وطال الكلام بينهما وتردّد ، فعرض داود عليهالسلام للرجل بالنزول عن المرأة لا على سبيل الحكم لكن على سبيل التوسّط والاستصلاح ، كما يقول أحدنا لغيره : إذا كنت لا ترضى زوجتك هذه ولا تقوم بالواجب من نفقتها فانزل عنها ، فقدّر الرجل أنّ ذلك حكم منه لا تعريض ، فنزل عنها وتزوّجها داود عليهالسلام ، فأتاه الملكان ينبّهانه على التقصير في ترك تبيين مراده للرجل ، وأنّه كان على سبيل العرض لا الحكم.
ورابعها : أنّ سبب ذلك أنّ داود عليهالسلام كان متشاغلا بعبادته في محرابه ، فأتاه رجل وامرأة يتحاكمان ، فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها فيحكم لها أو عليها ، وذلك نظر مباح على هذا الوجه ، فمالت نفسه إليها ميل الخلقة والطباع ، ففصل بينهما وعاد إلى عبادته ، فشغله الفكر في أمرها وتعلّق القلب بها عن بعض نوافله الّتي كان وظفّها على نفسه فعوتب.
وخامسها : أنّ المعصية منه إنّما كانت بالعجلة في الحكم قبل التثبّت ، وقد كان يجب عليه لمّا سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ، ولا يقضي عليه قبل المسألة. ومن أجاب بهذا الجواب قال : إن الفزع من دخولهما عليه في غير وقت العادة نساه التثبّت والتحفّظ.
وكل هذه الوجوه لا يجوز على الأنبياء عليهالسلام ؛ لأنّ فيها ما هو معصية ، وقد بيّنا أنّ المعاصي لا تجوز عليهم ، وفيها ما هو منفّر ، وإن لم يكن معصية ، مثل