الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، قال الله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (١) وإنّما أراد على جذوعها ، وقال الشاعر :
إسهري ما سهرت أمّ حكيم |
|
واقعدي مرّة لذاك وقومي |
وأفتحي الباب وانظري في النّجوم |
|
كم علينا من قطع ليل بهيم |
وإنّما أراد أنظري إليها لتعرفي الوقت.
ومنها : أنّه يجوز أن يكون الله تعالى أعلمه بالوحي أنّه سيمتحنه بالمرض في وقت مستقبل ، وإن لم يكن قد جرت بذلك المرض عادته ، وجعل تعالى العلامة على ذلك ظاهرة له من قبل النجوم ، إمّا بطلوع نجم على وجه مخصوص أو أفول نجم على وجه مخصوص أو إقترانه بآخر على وجه مخصوص ، فلمّا نظر إبراهيم في الامارة الّتي نصبت له من النجوم قال : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، تصديقا بما أخبره الله تعالى.
ومنها : ما قال قوم في ذلك من أنّ من كان آخر أمره الموت فهو سقيم ، وهذا حسن ؛ لأنّ تشبيه الحياة المفضية إلى الموت بالسقم من أحسن التشبيه.
ومنها : أن يكون قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) [معناه انّي سقيم] القلب والرأي ، حزنا من إصرار قومه على عبادة الأصنام ، وهي لا تسمع ولا تبصر ، ويكون قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) على هذا المعنى ، معناه أنّه نظر وفكّر في أنّها محدثة مدبّرة مصرفة مخلوقة. وعجب كيف يذهب على العقلاء ذلك من حالها حتّى يعبدوها؟!
ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، معناه أنّه شخص ببصره إلى السماء كما يفعل المفكّر المتأمّل ، فإنّه ربّما أطرق إلى الأرض وربّما نظر إلى السماء استعانة في فكره.
وقد قيل : إنّ النجوم هاهنا هي نجوم النبت ؛ لأنّه يقال لكلّ ما خرج من الأرض وغيرها وطلع : إنّه نجم ناجم ، وقد نجم ، ويقال للجميع : نجوم ،
__________________
(١) سورة طه ، الآية : ٧١.