وأجاب [القاضي] عن ذلك : «بأن الموضع كان ملكا لعائشة وهي حجرتها التي كانت معروفة بها» قال : «وقد بيّنا أن هذه الحجر كانت أملاكا لنساء الرسول ، وأن القرآن ينطق بذلك [في قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ)] وذكر أن عمر استأذن عائشة في أن يدفن في ذلك الموضع حتى قال : إن لم تأذن فادفنوني في البقيع ، وعلى هذا الوجه يحمل ما روي عن الحسن عليهالسلام أنه لما مات أوصى أن يدفن إلى جنب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن لم يترك ففي البقيع ، فلما كان من مروان وسعيد بن العاص ما كان دفن بالبقيع ، وإنّما أوصى بذلك بإذن عائشة ، ويجوز أن يكون علم من عائشة أنّها جعلت الموضع في حكم الوقف فاستباحوا ذلك لهذا الوجه ، قال : وفي دفنه عليهالسلام في ذلك ما يدل على فضل أبي بكر ؛ لأنّه عليهالسلام لما مات اختلفوا في موضع دفنه وكثر القول حتى روى أبو بكر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : ما يدلّ على أن الأنبياء إذا ماتوا دفنوا حيث ماتوا فزال الخلاف في ذلك» (١).
[قال السيّد :] يقال له : ليس يخلو موضع قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن يكون باقيا على ملكه أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة على ما ادّعاه ، فإن كان الأول لم يخل من أن يكون ميراثا بعده أو صدقة ، فإن كان ميراثا فما كان يحل لأبي بكر ولا لعمر من بعده أن يأمرا بدفنهما فيه إلّا بعد إرضاء الورثة الذين هم على مذهبنا فاطمة عليهالسلام وجماعة الأزواج ، وعلى مذهبهم هؤلاء والعبّاس ، ولم نجد واحدا منهما خاطب أحدا من هؤلاء الورثة عن ابتياع هذا المكان ، ولا استنزله عنه بثمن ولا غيره ، وإن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين وابتياعه منهم ، هذا إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى ، وإن كان انتقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله والحجة فيه ؛ فإن فاطمة عليهاالسلام لم يقنع منها في انتقال فدك إلى ملكها بقولها ولا شهادة من شهد لها ، فأما تعلّقه بإضافة البيوت إلى ملكهن بقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) فمن
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ٣٥٦.