وإنّما يوجب الفحص عمّا يوجب مخالفة الظاهر.
فان قلت : العلم الاجماليّ بوجود مخالفات الظواهر لا يرتفع أثره ، وهو وجوب التوقّف بالفحص ، ولذا لو تردّد اللفظ بين معنيين
______________________________________________________
عن الحجّيّة ، وانّما لا يوجب السقوط عن الحجّيّة : لانحلال العلم الاجمالي بما نجده في الروايات ، وغيرها ، من التقييد ، والتخصيص ، والقرائن الصارفة.
نعم ، (وانّما يوجب) هذا العلم الاجمالي (الفحص عمّا يوجب مخالفة الظاهر) كما هو حال السنّة ، فانّ الانسان اذا وجد رواية في السنّة مطلقة ، أو عامّة ، أو ظاهرة ، فانّه لا يجوز له العمل بتلك الرواية ، إلّا بعد الفحص ، فكذلك الكتاب ليكن حاله حال السنّة ، في انّه اذا وجد ظاهرا لا يعمل به حتّى يفحص عن سائر الخصوصيّات ، مثلا : اذا رأى الانسان في الآية الكريمة : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) ، وجب عليه أن يفحص حتّى يجد حرمة بيع الرّبا ، وحرمة بيع الكالي بالكالي ، وحرمة بيع المجهول ، وحرمة بيع الغرري ، وما اشبه ، وبعد ذلك يتمسّك باطلاق البيع. وهكذا في قوله سبحانه : (وَحَرَّمَ الرِّبا)(٢) وغير ذلك.
(فان قلت : العلم الاجمالي بوجود مخالفات الظواهر ، لا يرتفع أثره) أي : اثر ذلك العلم الاجمالي (وهو وجوب التوقف بالفحص) ، وذلك لانّا نعلم انّ الأخبار ، التي تكشف عن : المخصص ، والمقيد ، والمجاز لم تصل كلّها الينا ، من جهة اخفاء الظالمين لجملة كبيرة منها بالحرق ، كما أحرقوا المكتبات ، أو بقتل الرواة ، أو بخوف الرواة من الاظهار ، حتّى ماتوا ولم يبيّنوا كثيرا ممّا وصل اليهم.
(ولذا لو تردّد اللّفظ بين معنيين) بأن تردّد ـ مثلا ـ الصعيد ، بين أن يكون موضوعا لمطلق وجه الارض ، حتّى يجوز التيمم بالرمل والحجر وغير ذلك ،
__________________
(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٧٥.
(٢) ـ سورة البقرة : الآية ٢٧٥.