وكما أنّ طلب المعاش غير مانع من الاشتغال في مسائل الأصول ، كذا لا يمنع من معرفة هذا القدر اليسير ، لأنّ وجود نص قاطع المتن والدلالة يدركه بأدنى إشارة من قول المفتي. وإن لم يوجد نبّهه على حكم الأصل.
نعم المنع من التقليد يصعب عند الموجبين للعمل بالقياس وخبر الواحد ، أمّا من يمنعهما فلا صعوبة ولو منع المعاش عن ذلك لكان منعه عن وجوب النظر في مسائل الأصول أولى ، لما فيها من الصعوبة والافتقار إلى الكدّ الشديد ، ومعلوم أنّ الصحابة كانوا يلومون من لم يتعلّم علم الكلام في أوّل زمان بلوغه.
لأنّا نقول (١) : الواجب في معرفة مسائل الأصول معرفة أدلّة التوحيد والنبوة إجمالا لا تفصيلا ، وهو سهل يحصل بأدنى تأمّل ، بخلاف فروع الشرع المفتقرة إلى علوم كثيرة وبحث شديد. وإنّما يتمّ هذا الفرق إذا حصل الفرق بين صاحب الجملة والتفصيل. وهو باطل ، لأنّ الدليل المركّب من مقدّمات عشر مثلا ، لو حصلت مقدّماته للمستدلّ بأسرها حصل العلم من غير زيادة ، لأنّ العشرة مستقلة بالانتاج فيستحيل ضم أخرى إليها مؤثّرة فيه.
وإن لم يحصل العلم بأسرها ، بل حصل بعضها بالضرورة أو بالدليل والبعض بالتقليد، كانت النتيجة مستندة إلى التقليد ، فالتمسّك بالدليل لا يقبل الزيادة ولا النقصان ، كما يقال : صاحب الجملة يكفيه الاستدلال على ثبوت الصانع بالحوادث المتجدّدة. وهو باطل، لأنّ هذه الحوادث لا بدّ لها من مؤثر ،
__________________
(١) راجع المحصول : ٢ / ٥٢٨ ـ ٥٣٠.