ب. تغيير الأحكام الاجتهادية لتطوّر الوسائل والأوضاع
قد سبق من هذا الكاتب انّ عوامل التغيير على قسمين :
أحدهما : ما يكون ناشئا عن فساد الأخلاق ، وفقدان الورع ، وضعف الوازع ، وأسماه بفساد الزمان ، وقد مرّت عليك أمثلته كما مرّت مناقشاتنا.
والآخر : ما يكون ناشئا عن أوضاع تنظيمية ، ووسائل زمنية جديدة من أوامر قانونية مصلحية وترتيبات إدارية ، وأساليب اقتصادية ونحو ذلك ، وهذا النوع ـ عند الكاتب ـ كالأوّل موجب لتغيير الأحكام الفقهية الاجتهادية المقرّرة قبله إذا أصبحت لا تتلاءم معه ، لأنّها تصبح عندئذ عبثا أو ضررا ، والشريعة منزّهة عن ذلك ، وقد قال الإمام الشاطبي (المتوفّى ٧٩٠ ه) في «الموافقات» : لا عبث في الشريعة.
ثمّ طرح لها أمثلة وإليك بيانها :
١. ثبت عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نهى عن كتابة أحاديثه ، وقال لأصحابه : «من كتب عني غير القرآن فليمحه» واستمر الصحابة والتابعون يتناقلون السنّة النبوية حفظا وشفاها لا يكتبونها حتى آخر القرن الهجري الأوّل ، عملا بهذا النهي.
ثمّ انصرف العلماء في مطلع القرن الثاني بأمر من (الخليفة العادل) عمر بن عبد العزيز ، إلى تدوين السنّة النبوية ، لأنّهم خافوا ضياعها بموت حفظتها ورأوا أنّ سبب نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كتابتها إنّما هو خشية أن تختلط